Sunteți pe pagina 1din 81

‫حكم التبديع‬

‫في مسائل االجتهاد‬

‫الدكتور‬
‫محمد بن حسين الجيزاني‬
‫حقوق الطبع حمفوظة‬

‫جملة البيان ‪1431‬هـ‬ ‫ح‬


‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النرش‬
‫اجليزاين ‪ ،‬حممد حسني‬
‫حكم التبديع يف مسائل االجتهاد ‪ / .‬حممد حسني‬
‫اجليزاين ـ الرياض ‪1431 ،‬هـ‬
‫‪ 80‬ص ؛ ‪24×17‬‬
‫ردمك‪978-603-90199-0-9 :‬‬
‫‪ -1‬االجتهاد ( أصول الفقه ) ‪ -2‬البدع يف اإلسالم ‪.‬‬
‫أ ‪ .‬العنوان‬
‫‪1431/7474‬‬ ‫ديوي‪251.15‬‬

‫‪1431/7474‬‬‫رقم اإليداع‪:‬‬
‫ردمك‪-603-90199-0-9 :‬‬
‫المقدمة‬

‫المقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل أرشف األنبياء واملرسلني‪،‬‬


‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن التبديع يف مسائل االجتهاد حكم رشعي‪.‬‬
‫وجدير هبذا احلكم أن ُتبحث مسائله و ُتعرف ضوابطه‪.‬‬
‫ومن العجب أن جتد كثري ًا من الناس يف املسائل االجتهادية حيتاط يف احلكم‬
‫بالتكفري؛ خلطورة التكفري وعظم شأنه‪ ،‬إال أنه ـ لشديد األسف واألسى ـ يستسهل‬
‫احلكم بالتبديع وهيون يف نظره شأنه‪.‬‬
‫ومن هنا يظهر جلي ًا أن إغالق باب التبديع والتحذير منه يف مسائل االجتهاد‬
‫حيصل به من باب أوىل اجتناب التكفري وجمافاته‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫وليس جدير ًا بمسائل االجتهاد ترك التبديع فيها فحسب‪ ،‬بل املطلوب فيها‬
‫أن تكون مدخ ً‬
‫ال للحوار النافع والنقد املثمر‪ ،‬وأن تكون سبب ًا يرتقي به أصحاب‬
‫اآلراء املختلفة نحو التمسك بالثوابت واملحافظة عىل املحكامت‪ ،‬والتعاون عىل‬
‫الرب والتقوى‪.‬‬
‫وكم حيصل ألهل اإليامن يف االمتناع عن تبديع بعضهم بعض ًا من مصالح دينية‬
‫ومقاصد رشعية؛ من تقارب النفوس وتآلف القلوب وحصول املودة واأللفة ‪.‬‬
‫لذا فقد آثرت يف هذا املقام أن أخص بالبحث قضية‪( :‬حكم التبديع يف مسائل‬
‫االجتهاد) سائ ً‬
‫ال املوىل َّ‬
‫جل شأنه أن يوفق ويسدد ‪.‬‬
‫وقد تكونت خطة هذا البحث من متهيد وستة مطالب وبياهنا فيام ييل‪:‬‬
‫التمهيد‪ ،‬وقد تضمن‪ :‬تعريف البدعة‪ ،‬وتعريف االجتهاد‪ ،‬وضابط املسائل‬
‫االجتهادية ‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬امتناع التبديع يف املسائل االجتهادية ‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬األدلة عىل امتناع التبديع يف املسائل االجتهادية‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬مواطن االجتهاد يف باب البدعة ‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬متى يسوغ التبديع يف باب االجتهاد؟‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬حكم تبديع املجتهد ‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬القواعد األصولية والفقهية ذات الصلة ‪.‬‬
‫وقد ذيلت هذا البحث بخامتة تضمنت خالصته‪ ،‬وثبت للمصادر واملراجع‪،‬‬
‫وفهرس للموضوعات ‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن جيعل هذا العمل خالص ًا له وحده‪ ،‬وأن يرزقنا العلم النافع والعمل‬
‫الصالح‪ ،‬وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫التمهيـــد‬

‫التمهيد‬

‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬


‫املسألة األوىل‪ :‬تعريف البدعة ‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬تعريف االجتهاد ‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬ضابط املسائل االجتهادية ‪.‬‬
‫*****‬

‫‪7‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫املسألة األوىل‪ :‬تعريف البدعة‪:‬‬


‫(((‬
‫تأيت مادة (بدع) يف اللغة بمعنى اليشء املخرتع عىل غري مثال سابق‪ ،‬ومنه قوله‬
‫(((‬
‫تعاىل‪( :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ) ‪.‬‬
‫وأما معنى البدعة يف الرشع فهي‪( :‬ما ُأحدث يف الدين من غري دليل )((( ‪.‬‬
‫وقد تضمن هذا التعريف قيو ًدا ثالثة ختتص بالبدعة‪ ،‬واليشء ال يكون بدعة يف‬
‫الرشع إال بتوفرها فيه ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلحداث ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يضاف هذا اإلحداث إىل الدين ‪.‬‬
‫‪ -3‬أال يستند هذا اإلحداث إىل أصل رشعي؛ بطريق خاص أو عام ‪.‬‬
‫وهذه القيود مجيعها مستفادة من السنة املطهرة‪ ،‬وذلك قوله ‪« : ‬وإياكم‬
‫وحمدثات األمور ؛ فإن كل حمدثة بدعة ‪ ،‬وكل بدعة ضاللة» (((‪.‬‬
‫وقوله ‪« : ‬من أحدث يف أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ((( ‪.‬‬
‫وإليك فيام يأيت إيضاح هذه القيود الثالثة‪:‬‬

‫((( انظر النهاية يف غريب احلديث واألثر‪ 107 ،106/1 :‬وخمتار الصحاح‪ 44 ،43 :‬واملصباح املنري‪:‬‬
‫‪ 38‬واالعتصام‪. 36/1 :‬‬
‫((( سورة األحقاف‪. 9 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬جامع العلوم واحلكم‪ 128/2 :‬وفتح الباري‪ 254/13 :‬ومعارج القبول‪ 426/2 :‬ورشح‬
‫ملعة االعتقاد‪. 23 :‬‬
‫((( أخرجه أبو داود يف سننه ‪ ،‬واللفظ له (‪ )201/4‬برقم ‪ 4607‬وابن ماجة (‪ )15/1‬برقم ‪، 42‬‬
‫والرتمذي (‪ )44/5‬برقم ‪ 2676‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬واحلديث صححه األلباين يف‬
‫ظالل اجلنة يف ختريج السنة البن أيب عاصم (‪ )17‬برقم ‪. 27‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ )301/5‬برقم ‪ ، 2697‬ومسلم (‪ )16/2‬واللفظ له ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫التمهيـــد‬

‫‪ - 1‬اإلحداث‪:‬‬
‫والدليل عىل هذا القيد قوله ‪« : ‬من أحدث» ‪ ،‬وقوله ‪ « :‬كل حمدثة‬
‫بدعة‪.» ‬‬
‫واملراد باإلحداث ‪ :‬اإلتيان باألمر اجلديد املخرتع ‪ ،‬الذي مل يسبق إىل مثله ‪.‬‬
‫فيدخل فيه كل خمرتع‪ ،‬مذمو ًما كان أو حممو ًدا ‪ ،‬يف الدين كان أو يف غريه ‪.‬‬
‫ال؛ مثل‪ :‬فعل الشعائر الدينية كالصلوات‬‫وهبذا القيد خرج ما ال إحداث فيه أص ً‬
‫املكتوبات ‪ ،‬وصيام شهر رمضان ‪ ،‬ومثل اإلتيان بيشء من األمور الدنيوية املعتادة‬
‫كالطعام واللباس ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وملا كان اإلحداث قد يقع يف يشء من أمور الدنيا ‪ ،‬وقد يقع يف يشء من أمور‬
‫الدين ؛ حت َّتم تقييد هذا اإلحداث بالقيدين التاليني‪:‬‬
‫‪ -2‬أن يضاف هذا اإلحداث إىل الدين ‪.‬‬
‫والدليل عىل هذا القيد قوله‪ « : ‬يف أمرنا هذا » ‪ .‬واملراد بأمره ها هنا ‪ :‬دينه‬
‫ورشعه(((‪.‬‬
‫فاملعنى املقصود يف البدعة ‪ :‬أن يكون اإلحداث من شأنه أن ُينسب إىل الرشع‬
‫ويضاف إىل الدين بوجه من الوجوه ‪.‬‬
‫وهبذا القيد خترج املخرتعات املادية واملحدثات الدنيوية مما ال صلة له بأمر‬
‫الدين‪ ،‬وكذلك املعايص واملنكرات التي استحدثت‪ ،‬ومل تكن من قبل‪ ،‬فهذه ال‬
‫تكون بدعة‪ ،‬اللهم إال إن ُفعلت عىل وجه التقرب‪ ،‬أو كانت ذريعة إىل أن يظن أهنا‬
‫من الدين ‪.‬‬
‫‪ -3‬أال يستند هذا اإلحداث إىل أصل رشعي ؛ بطريق خاص وال عام ‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬جامع العلوم واحلكم (‪. )177/1‬‬

‫‪9‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫والدليل عىل هذا القيد ‪ :‬قوله ‪ « :‬ما ليس منه » ‪.‬‬


‫وهبذا القيد خترج املحدثات املتعلقة بالدين مما له أصل رشعي ‪ ،‬عام أو خاص ‪،‬‬
‫فمام ُأحدث يف الدين وكان مستندً ا إىل دليل رشعي عام ‪ :‬ما ثبت باملصالح املرسلة؛‬
‫مثل مجع الصحابة ريض اهلل عنهم للقرآن ‪ ،‬ومما ُأحدث يف هذا الدين وكان مستندً ا‬
‫إىل دليل رشعي خاص ‪ :‬إحداث صالة الرتاويح مجاعة يف عهد عمر ريض اهلل عنه‬
‫فإنه قد استند إىل دليل رشعي خاص ‪ .‬ومثله ً‬
‫أيضا إحياء بعض السنن املهجورة ‪.‬‬
‫وإليك فيام يأيت ما يقرر هذه القيود الثالثة من كالم أهل العلم ‪:‬‬
‫قال ابن رجب ‪ ( :‬فكل من أحدث شيئًا ونسبه إىل الدين ‪ ،‬ومل يكن له أصل من‬
‫الدين يرجع إليه ؛ فهو ضاللة ‪ ،‬والدين منه بريء ) (((‪.‬‬
‫أيضا‪( :‬واملراد بالبدعة‪ :‬ما ُأحدث مما ال أصل له يف الرشيعة يدل‬
‫وقال ً‬
‫رشعا‪ ،‬وإن كان‬
‫عليه‪ ،‬فأما ما كان له أصل من الرشع يدل عليه فليس ببدعة ً‬
‫بدعة لغ ًة) ((( ‪.‬‬
‫وقال ابن حجر ‪ ( :‬واملراد بقوله ‪ « :‬كل بدعة ضاللة » ما أحدث وال دليل له‬
‫من الرشع بطريق خاص وال عام ) ((( ‪.‬‬
‫وقال ً‬
‫أيضا ‪ ( :‬وهذا احلديث [ يعني حديث « من أحدث يف أمرنا هذا ما ليس‬
‫منه فهو رد » ] معدود من أصول اإلسالم وقاعدة من قواعده ؛ فإن من اخرتع يف‬
‫الدين ما ال يشهد له أصل من أصوله فال يلتفت إليه » ((( ‪.‬‬

‫((( جامع العلوم واحلكم (‪. )128/2‬‬


‫((( املصدر السابق (‪. )127/2‬‬
‫((( فتح الباري (‪. )254/13‬‬
‫((( فتح الباري (‪ ، )302/5‬وانظر ً‬
‫أيضا‪ :‬معارج القبول (‪ ، )426/2‬ورشح ملعة االعتقاد (‪. )23‬‬

‫‪10‬‬
‫التمهيـــد‬

‫وقال حافظ احلكمي‪« :‬ومعنى البدعة هو رشع ما مل يأذن اهلل به‪ ،‬ومل يكن عليه‬
‫أمر النبي ‪ ‬وال أصحابه»(((‪.‬‬
‫وعرف ابن عثيمني البدعة بقوله‪« :‬ما ُأحدث يف الدين عىل خالف ما كان عليه‬
‫َّ‬
‫النبي ‪ ‬وأصحابه من عقيدة أو عمل»(((‪.‬‬

‫املسألة الثانية‪ :‬تعريف االجتهاد‪:‬‬


‫االجتهاد لغة‪ :‬بذل الوسع والطاقة‪ ،‬وال يستعمل إال فيام فيه جهد ومشقة‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫اجتهد يف محل الرحى‪ ،‬وال يقال‪ :‬اجتهد يف محل النواة(((‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪« :‬بذل الوسع يف نيل حكم رشعي عميل بطريق‬
‫االستنباط»(((‪.‬‬
‫وقد اشتمل هذا التعريف عىل القيود التالية(((‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬قوله‪( :‬بذل الوسع) معناه أن حيس من نفسه العجز عن مزيد طلب حتى‬
‫ال يقع لوم يف التقصري‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬تقييد احلكم بأنه (رشعي عميل) خرج به اللغوي والعقيل واحليس فال‬
‫يسمى عند الفقهاء جمتهد ًا‪ ،‬وكذلك الباذل وسعه يف نيل حكم رشعي علمي وإن‬
‫كان قد يسمى عند املتكلمني جمتهد ًا‪.‬‬

‫((( معارج القبول‪. 426/2 :‬‬


‫((( رشح ملعة االعتقاد‪.23:‬‬
‫((( انظر‪ :‬املصباح املنري‪ 112/1 :‬ومذكرة الشنقيطي‪. 311 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر املحيط‪. 197/6 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفقيه واملتفقه‪ 178/1 :‬وروضة الناظر‪ 401/2 :‬وجمموع الفتاوى‪ 264/11 :‬والبحر‬
‫املحيط‪ 197/6 :‬ورشح الكوكب املنري‪ 458/4 :‬واملدخل إىل مذهب اإلمام أمحد‪ 179 :‬ومذكرة‬
‫الشنقيطي‪. 311 :‬‬

‫‪11‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫ثالث ًا‪ :‬خرج بقوله‪( :‬بطريق االستنباط) بذل الوسع يف نيل تلك األحكام من‬
‫النصوص ظاهر ًا أو بحفظ املسائل واستعالمها من املعنى أو بالكشف عنها‬
‫من الكتب فإنه وإن سمي اجتهاد ًا فهو اجتهاد من حيث اللغة ال من حيث‬
‫االصطالح‪.‬‬

‫املسألة الثالثة‪ :‬ضابط املسائل االجتهادية‪:‬‬


‫اخلالف نوعان‪ :‬خالف سائغ وخالف مذموم((( ‪.‬‬
‫النوع األول‪ :‬اخلالف السائغ‪ ،‬هو اخلالف الواقع يف املسائل االجتهادية‪ ،‬وهي‬
‫تلك املسائل التي يسوغ االجتهاد فيها واخلالف‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬وأهل هذا املسلك إذا اختلفوا فاختالفهم اختالف رمحة وهدى‬
‫يقر بعضهم بعض ًا عليه ويواليه وينارصه‪.‬‬
‫وهو داخل يف باب التعاون والتناظر الذي ال يستغني عنه الناس يف أمور دينهم‬
‫ودنياهم؛ بالتناظر والتشاور‪ ،‬وإعامهلم الرأي وإجالتهم الفكر يف األسباب املوصلة‬
‫إىل درك الصواب؛ فيأيت كل منهم بام قدحه زناد فكره وأدركه قوة بصريته‪.‬‬
‫وعرضت عىل احلاكم الذي‬
‫فإذا قوبل بني اآلراء املختلفة واألقاويل املتباينة‪ُ ،‬‬
‫ال جيور وهو كتاب اهلل وسنة رسوله وجترد الناظر عن التعصب واحلمية واستفرغ‬
‫وسعه وقصد طاعة اهلل ورسوله َّ‬
‫فقل أن خيفى عليه الصواب من تلك األقوال‬
‫وما هو أقرب إليه‪ ،‬واخلطأ وما هو أقرب إليه؛ فإن األقوال املختلفة ال خترج عن‬
‫الصواب وما هو أقرب إليه واخلطأ وما هو أقرب إليه‪ ،‬ومراتب القرب والبعد‬
‫متفاوتة‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬اقتضاء الرصاط املستقيم‪ 144 -126/1 :‬والصواعق‪. 631 -514/2 :‬‬

‫‪12‬‬
‫التمهيـــد‬

‫وهذا النوع من االختالف ال يوجب معادا ًة وال افرتاق ًا يف الكلمة وال تبديد ًا‬
‫للشمل) (((‪.‬‬
‫وضابط املسائل االجتهادية أال يوجد يف املسألة إمجاع أو نص قاطع‪ ،‬وإنام‬
‫ال‪ ،‬قاب ً‬
‫ال للتأويل(((‪.‬‬ ‫يكون النص الوارد يف املسألة –إن ورد فيها نص– حمتم ً‬
‫والدليل عىل ذلك‪ :‬حديث معاذ ـ ريض اهلل عنه ـ أن الرسول ‪ ‬ملا بعثه إىل‬
‫اليمن قال ‪« :‬كيف تقيض إذا عرض لك قضاء؟» قال‪ :‬أقيض بكتاب اهلل‪ ،‬قال‪« :‬فإن‬
‫مل جتد يف كتاب اهلل؟» قال‪ :‬فبسنة رسول اهلل ‪ ،‬قال‪« :‬فإن مل جتد يف سنة رسول اهلل‬
‫‪ ‬وال يف كتاب اهلل؟» قال‪ :‬أجتهد رأيي وال آلو‪ ،‬فرضب رسول اهلل ‪ ‬صدره‬
‫وقال‪« :‬احلمد هلل الذي وفق رسول رسول اهلل ملا يريض رسول اهلل»((( إذ جعل‬
‫االجتهاد مرتبة متأخرة إذا مل يوجد كتاب وال سنة‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل املسائل االجتهادية‪ :‬قوله ‪« :‬ال يصلني أحد العرص إال يف‬
‫بني قريظة»((( فقد فهم بعض الصحابة من هذا النص ظاهره من األمر بصالة‬
‫((( الصواعق‪. 516 -517/2 :‬‬
‫((( انظر‪:‬جامع بيان العلم وفضله‪ 55/2 :‬والفقيه واملتفقه‪ 206/1 :‬وإعالم املوقعني‪279/2 :‬‬
‫ومذكرة الشنقيطي‪. 315 ،314 :‬‬
‫((( احلديث هبذا اللفظ أخرجه أبو داود يف سننه (‪ )303/3‬برقم (‪ ،)3592‬وأخرجه الرتمذي‬
‫(‪ )616/3‬برقم (‪ .)1327‬وقد صحح هذا احلديث اخلطيب البغدادي قائ ً‬
‫ال‪ :‬عىل أن أهل العلم‬
‫قد تقبلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك عىل صحته عندهم‪ .‬الفقيه واملتفقه (‪ ،)189/1‬إال أن بعض‬
‫املحدثني ضعفه من جهة السند مع القول بصحة معناه‪ .‬انظر الكالم عىل هذا احلديث يف إعالم‬
‫املوقعني (‪ ،)202/1‬وحتفة الطالب (‪ ،)151‬واملعترب للزركيش (‪ ،)63‬واالبتهاج بتخريج أحاديث‬
‫املنهاج (‪.)210‬‬
‫وقد ذهب الشيخ األلباين إىل أن احلديث ضعيف سندً ا‪ ،‬وأن يف متنه خمالفة ألصل مهم وهو عدم جواز‬
‫معا‪ .‬انظر‪ :‬منزلة السنة يف اإلسالم وبيان‬
‫التفريق يف الترشيع بني الكتاب والسنة ووجوب األخذ هبام ً‬
‫أنه ال يستغنى عنها بالقرآن (‪ ،)22 ،21‬وسلسلة األحاديث الضعيفة (‪ )273/2‬برقم (‪.)881‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ )407/7‬برقم (‪.)4119‬‬

‫‪13‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫العرص يف بني قريظة ولو بعد وقتها‪ ،‬وفهم بعضهم اآلخر من النص احلث عىل‬
‫املسارعة يف السري مع تأدية الصالة يف وقتها‪ ،‬ومل ينكر ‪ ‬عىل الفريقني ما فهم‪،‬‬
‫ومل يعنف الطرفني عىل ما فعل(((‪.‬‬
‫ومن األمثلة عليها‪ :‬اختالف الصحابة ـ ريض اهلل عنهم ـ يف مسائل( اجلد مع‬
‫اإلخوة‪ ،‬وعتق أم الولد بموت سيدها‪ ،‬ووقوع الطالق الثالث بكلمة واحدة‪،‬‬
‫ويف اخللية والربية والبتة‪ ،‬ويف بعض مسائل الربا‪ ،‬ويف بعض نواقض الوضوء‪،‬‬
‫وموجبات الغسل‪ ،‬وبعض مسائل الفرائض)ذ(((‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬اخلالف املذموم‪ ،‬وهو اخلالف الواقع يف املسائل غري االجتهادية‪،‬‬
‫وهي تلك املسائل التي ال يسوغ االجتهاد فيها أو اخلالف ‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬وهذا النوع هو الذي ُوصف أه ُله بالبغي‪ ،‬وهو الذي يوجب‬
‫الفرقة واالختالف وفساد ذات البني‪ ،‬ويوقع التحزب والتباين)(((‪.‬‬
‫وضابط املسائل غري االجتهادية‪ :‬ما عدا املسائل االجتهادية‪ ،‬وذلك أن يرد يف‬
‫املسألة إمجاع أو نص قاطع‪ ،‬والواجب ها هنا اتباع ما ّ‬
‫دل عليه اإلمجاع والنص‪ ،‬وال‬
‫جتوز خمالفته‪ ،‬بل هذه املخالفة تدخل حتت االختالف املذموم(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪. 344/3 :‬‬


‫((( الصواعق‪. 516 -517/2 :‬‬
‫((( الصواعق‪. 516 -517/2 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬الرسالة‪ 560 :‬وجمموع الفتاوى‪ 259/20 :‬والصواعق‪. 514/2 :‬‬

‫‪14‬‬
‫التمهيـــد‬

‫يدل عىل ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪( :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ) (((‪ ،‬وقوله تعاىل‪:‬‬


‫)ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ(((( ‪ ،‬وقوله تعاىل‪) :‬ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ( (((‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬وهذا النوع هو الذي وصف اهلل أهله بالبغي وهو الذي يوجب‬
‫الفرقة واالختالف وفساد ذات البني ويوقع التحزب والتباين) (((‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل املسائل الفقهية املختلف فيها‪ ،‬وهي ليست من قبيل املسائل‬
‫االجتهادية‪ ،‬بل هي من قبيل املسائل اخلالفية لكون الدليل الوارد فيها قطعي ًا أو‬
‫يقرب من القطع(((‪:‬‬
‫‪o‬كون احلامل تعتد بوضع احلمل ‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫‪o‬أن إصابة الزوج الثاين رشط يف حلها لألول ‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫‪o‬أن الغسل جيب بمجرد اإليالج وإن مل ينزل ‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫‪o‬أن ربا الفضل حرام‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫‪o‬أن املتعة حرام‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫‪o‬أن النبيذ املسكر حرام‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫وسفرا ‪. .‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حرضا‬ ‫‪o‬أن املسح عىل اخلفني جائز‬ ‫‪o‬‬
‫وهبذا يظهر الفرق بني املسائل االجتهادية واملسائل اخلالفية‪.‬‬

‫((( سورة األنفال‪. 6 :‬‬


‫((( سورة البينة‪. 4 :‬‬
‫((( سورة آل عمران‪.105 :‬‬
‫((( الصواعق‪. 514/2 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬إعالم املوقعني‪. 289 -288/3 :‬‬

‫‪15‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫حيث إن املسائل اخلالفية تشمل كل مسألة وقع فيها خالف؛ سواء أكان هذا اخلالف‬
‫سائغا أم كان مذموم ًا‪ ،‬بخالف املسائل االجتهادية فإهنا خاصة بنوع معني من اخلالف‪،‬‬
‫وهو اخلالف السائغ ‪.‬‬
‫ومن هنا يعلم أن املسائل اخلالفية أعم مطلق ًا من املسائل االجتهادية؛ إذ العالقة بينهام‬
‫هي العموم واخلصوص املطلق؛ فكل مسألة اجتهادية هي خالفية‪ ،‬وليس كل مسألة‬
‫خالفية تعدُّ اجتهادية‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫الغالب يف املسائل االجتهادية أهنا تكون ظنية‪ ،‬بمعنى أنه ال يقطع فيها بصحة‬
‫هذا القول أو خطئه‪ ،‬لكن قد توجد مسائل يسوغ فيها االجتهاد وهي قطعية‬
‫يقينية‪ ،‬جيزم فيها بالصواب‪ ،‬وذلك أن املجتهد قد خيالف الصواب دون تعمد‪ ،‬إما‬
‫لتعارض األدلة أو خفائها‪ ،‬فال طعن عىل من خالف يف مثل ذلك(((‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬وهلذا رصح األئمة بنقض حكم من حكم بخالف كثري من هذه‬
‫املسائل‪ ،‬من غري طعن منهم عىل من قال هبا) ((( ‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الصواعق‪ 519 -516/2 :‬ورشح الكوكب املنري‪. 492 -489/4 :‬‬
‫((( إعالم املوقعني‪. 427/1 :‬‬

‫‪16‬‬
‫المطلب األول‬
‫امتناع التبديع في‬
‫المسائل االجتهادية‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫املطلب األول‬

‫امتناع التبديع يف املسائل االجتهادية‬

‫جمرد وقوع اخلالف يف مسألة من املسائل ال يمنع من إطالق وصف االبتداع‬


‫عىل املخالف فيها(((‪.‬‬
‫وبيان ذلك‪ :‬أن هذا اخلالف أو ذاك ربام يقع يف مسألة اجتهادية أو يقع يف مسألة‬
‫غري اجتهادية‪ ،‬وإنام ينايف إطالق وصف االبتداع ويمنعه نوع معني من اخلالف‪،‬‬
‫وهو اخلالف الواقع يف املسائل االجتهادية‪.‬‬
‫أما النوع اآلخر من اخلالف وهو اخلالف الواقع يف املسائل غري االجتهادية فإنه‬
‫ال يمنع من إطالق لفظ البدعة‪.‬‬
‫وهبذا يعلم أنه ال منافاة بني البدعة واخلالف‪ ،‬وذلك أن جعل اخلالف بمجرده‬
‫مانع ًا من إطالق لفظ البدعة يفيض إىل أال توجد بدعة أص ً‬
‫ال‪ ،‬وذلك أن احلاصل يف‬
‫معظم البدع‪ :‬قيام اخلالف يف شأهنا؛ إذ الناس ينقسمون إزاء البدعة إذا وقعت إىل‬
‫فريقني‪ :‬فريق آخذ بالبدعة منترص هلا‪ ،‬وفريق جمانب للبدعة مانع هلا‪.‬‬
‫فيصري حينئذ نقل اخلالف رافع ًا لوصف البدعة؛ حيث إن استصحاب اخلالف‬
‫يف كل بدعة ممكن باطراد‪ ،‬اللهم إال يف البدع التي وقع اإلمجاع عليها‪.‬وخذ بدعة‬
‫ال لذلك؛ إذ اخلالف واقع يف بدعيتها‪ ،‬إال أن وقوع هذا‬ ‫صالة الرغائب((( مثا ً‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ 292/20 :‬وزاد املعاد‪ 275 -274/1 :‬واالعتصام‪. 208/1 :‬‬
‫((( وهي اثنتا عرشة ركعة ‪ ،‬تصىل بني العشائني ليلة أول مجعة يف شهر رجب بكيفية خمصوصة‪ ،‬يفصل بني كل ركعتني‬
‫بتسليمة ‪ ،‬يقرأ يف كل ركعة بفاحتة الكتاب مرة ‪ ،‬وسورة القدر ثالث مرات ‪ ،‬وسورة اإلخالص اثنتي عرشة مرة‪.‬‬
‫وكذا صالة ليلة النصف من شعبان ؛ فإهنا تسمى بصالة الرغائب ‪ ،‬وهي مائة ركعة ‪ ،‬كل ركعتني‬
‫بتسليمة ‪ ،‬يقرأ يف كل ركعة بعد الفاحتة سورة اإلخالص إحدى عرشة مرة ‪ .‬انظر‪ :‬تنزيه الرشيعة‬
‫املرفوعة (‪ )94 – 89/2‬واإلبداع للشيخ عيل حمفوظ (‪. )58‬‬

‫‪18‬‬
‫المطلب األول‪ :‬امتناع التبديع في المسائل االجتهادية‬

‫اخلالف مل يمنع من إطالق وصف البدعة عليها‪.‬‬


‫وعندئذ يقال‪ :‬إن صالة الرغائب بدعة‪ ،‬بالرغم من وجود اخلالف يف كوهنا‬
‫بدعة أو ليست بدعة‪ ،‬وذلك ألن هذا اخلالف واقع يف مسألة غري اجتهادية‪،‬‬
‫فلم ينهض هذا اخلالف ملعارضة وصف االبتداع‪ ،‬وإنام ينهض ملعارضة وصف‬
‫اخلالف واقع ًا يف مسألة اجتهادية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫االبتداع بل ينافيه وينفيه إذا كان هذا‬
‫وقل مثل ذلك يف غريها من البدع التي وقع فيها خالف‪.‬‬
‫واملتعني‪ :‬إطالق وصف البدعة عىل كل مسألة ثبت باألدلة الرشعية الصحيحة‬
‫كوهنا بدعة‪ ،‬وال يمنع من هذا اإلطالق خمالفة خمالف طاملا كانت املسألة من املسائل‬
‫التي ال حتتمل االجتهاد‪.‬‬
‫ورس الفرق بني اخلالف الواقع يف مسألة اجتهادية وبني اخلالف الواقع يف مسألة غري‬
‫ُّ‬
‫اجتهادية إنام هو النظر إىل يشء واحد‪ ،‬أال وهو قوة املأخذ وقربه‪.‬‬
‫فحيث كانت املخالفة مستندة إىل مأخذ قوي وقريب كان هذا املأخذ معترب ًا‪ُ ،‬‬
‫وعدَّ ت‬
‫املسألة من قبيل املسائل االجتهادية‪ ،‬وحيث كانت املخالفة مستندة إىل مأخذ ضعيف ٍ‬
‫واه‬
‫أو كانت مصادمة لنص قاطع أو إمجاع شائع كان هذا املأخذ مردود ًا‪ ،‬وسميت املخالفة‬
‫شذوذ ًا‪ُ ،‬‬
‫وعدَّ ت املسألة من قبيل املسائل غري االجتهادية‪.‬‬
‫قال تاج الدين السبكي‪( :‬وهناك تنبيه عىل أنه ال نظر إىل القائلني من املجتهدين‪ ،‬بل‬
‫إىل أقواهلم ومداركها قوة وضعف ًا‪.‬‬
‫ونعني بالقوة ما يوجب وقوف الذهن عندها وتعلق ذي الفطنة بسبيلها النتهاض‬
‫احلجة هبا؛ فإن احلجة لو انتهضت هبا ملا كنا خمالفني هلا‪.‬‬
‫إذا عرفت هذا‪ :‬فمن قوي مدركه اعتد بخالفه‪ ،‬وإن كانت مرتبته يف االجتهاد دون‬
‫مرتبة خمالفه‪ ،‬ومن ضعف مدركه مل يعتد بخالفه‪ ،‬وإن كانت مرتبته أرفع ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫وربام قوي مدرك بعضهم يف بعض املسائل دون بعض‪ ،‬بل هذا ال خيلو عنه‬
‫جمتهد) ((( ‪.‬‬
‫وقال ابن تيمية‪( :‬وليس ألحد أن حيتج بقول أحد يف مسائل النزاع‪ ،‬وإنام احلجة‬
‫النص واإلمجاع ودليل مستنبط من ذلك؛ تقدر مقدماته باألدلة الرشعية‪ ،‬ال بأقوال بعض‬
‫العلامء‪ ،‬فإن أقوال العلامء حيتج هلا باألدلة الرشعية‪ ،‬ال حيتج هبا عىل األدلة الرشعية)(((‪.‬‬
‫واحلاصل أن االجتهاد والتبديع حكامن متقابالن ال جيتمعان ‪.‬‬
‫فمتى ثبت يف مسألة ما كوهنا بدعة فإن هذه املسألة ـ واحلالة كذلك ـ ال مدخل فيها‬
‫لالجتهاد‪ ،‬بل هي من قبيل اخلالف املذموم‪.‬‬
‫هذا بالنظر إىل املسألة يف ذاهتا‪ ،‬لكن بالنظر إىل صاحب املخالفة فإنه قد يعذر؛ إما‬
‫لكونه جمتهد ًا‪ ،‬أو لغري ذلك من األعذار املعتربة؛ كاإلكراه واجلهل‪ ،‬فال يلزم من وقوع‬
‫البدعة أن يكون صاحبها مبتدع ًا‪ ،‬وهذا ما سيأيت بيانه يف املطلب اخلامس‪.‬‬
‫ويف املقابل‪ :‬متى ثبت يف مسألة من املسائل كوهنا مسألة اجتهادية فال يصح إطالق‬
‫وصف البدعة عىل قول أحد املجتهدين فيها‪.‬‬
‫رد ٍ‬
‫قول ما من األقوال إىل دليل معترب رشع ًا فإن هذا‬ ‫والضابط لذلك‪ :‬أنه متى أمكن ُّ‬
‫القول ال يعدُّ بدعة‪.‬‬
‫وبذلك نخلص إىل أن حكم املسائل االجتهادية‪ :‬امتناع التبديع فيها‪.‬‬
‫وهذا احلكم راجع إىل قاعدة‪( :‬ال إنكار يف مسائل االجتهاد) اآليت بياهنا يف املطلب‬
‫السادس‪ ،‬وذلك أن التبديع نوع من اإلنكار‪ ،‬بل التبديع من أعىل درجات اإلنكار‪.‬‬

‫((( األشباه والنظائر‪. 128/1 :‬‬


‫((( الفتاوى الكربى‪. 449/1 :‬‬

‫‪20‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫األدلة على امتناع‬
‫التبديع في المسائل‬
‫االجتهادية‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫املطلب الثاين‬

‫األدلة عىل امتناع التبديع يف املسائل االجتهادية‬

‫الدليل األول‪ :‬أن قوله ‪( :‬وكل حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة يف‬
‫النار)((( يدل عىل أن البدعة يالزمها التأثيم والضالل والوعيد بالنار‪.‬‬
‫ثم إن قوله ‪« :‬إذا حكم احلاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران‪ ،‬وإذا حكم‬
‫فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»((( يدل عىل أن االجتهاد يالزمه األجر والثواب؛ حيث‬
‫إن املجتهد مأجور يف احلالني‪ :‬يف حال إصابة احلق ويف حال اخلطأ‪.‬‬
‫واملستفاد من جمموع هذين احلديثني أن االجتهاد والبدعة معنيان متقابالن‪ ،‬وحكامن‬
‫ال جيتمعان؛ حيث إن االبتداع مذموم كله‪ ،‬واملسائل االجتهادية ال ذم فيها وال إثم‪.‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن هناك فرق ًا مؤثر ًا بني االجتهاد والبدعة‪ ،‬فال يصح إحلاق‬
‫املسائل االجتهادية بالبدع ‪.‬‬
‫وذلك أن البدعة ليس هلا ـ عند التحقيق ـ حظ معترب من الدليل الرشعي‪ ،‬وإنام‬
‫هي ناشئة ـ يف الغالب ـ عن اجلهل وحتكيم العقل واتباع اهلوى(((‪.‬‬
‫بخالف األقوال الواردة يف املسألة االجتهادية؛ فإهنا مبنية عىل أصول رشعية‪،‬‬
‫ومستندة إىل أسباب معتربة‪ ،‬فمن ذلك(((‪:‬‬

‫((( أخرجه أبو داود والرتمذي وابن ماجه وصححه األلباين‪ ،‬وقد تقدم يف التمهيد ‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ 318/13 :‬برقم ‪ ،7352‬ومسلم‪ 13/12 :‬بلفظ آخر‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬االعتصام‪ 362-293 /2 :‬والبدعة للشيخ حممود شلتوت‪.43-15 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬اخلالف بني العلامء؛ أسبابه وموقفنا منه للعثيمني‪. 27 -17 :‬‬
‫ولالستزادة ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ 250 -232/20 :‬والصواعق‪ 582 -520/2 :‬واملوافقات‪:‬‬
‫‪. 220 -211/4‬‬

‫‪22‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األدلة على امتناع التبديع في المسائل االجتهادية‬

‫السبب األول‪ :‬أن يكون الدليل مل يبلغ هذا املخالف الذي أخطأ يف حكمه‪.‬‬
‫السبب الثاين‪ :‬أن يكون احلديث قد بلغه ولكنه مل يثق بناقله‪ ،‬ورأى أنه خمالف ملا‬
‫هو أقوى منه‪ ،‬فأخذ بام يراه أقوى منه‪.‬‬
‫السبب الثالث‪ :‬أن يكون احلديث قد بلغه ولكنه نسيه‪.‬‬
‫السبب الرابع‪ :‬أن يكون بلغه وفهم منه خالف املراد‪.‬‬
‫السبب اخلامس‪ :‬أن يكون قد بلغه احلديث لكنه منسوخ ومل يعلم بالناسخ‪،‬‬
‫فيكون احلديث صحيح ًا واملراد منه مفهوم ًا ولكنه منسوخ‪ ،‬والعامل ال يعلم بنسخه‪،‬‬
‫فحينئذ له العذر ألن األصل عدم النسخ حتى يعلم بالناسخ‪.‬‬
‫السبب السادس‪ :‬أن يعتقد أنه معارض بام هو أقوى منه من نص أو إمجاع‪.‬‬
‫بمعنى أنه يصل الدليل إىل املستدل‪ ،‬ولكنه يرى أنه معارض بام هو أقوى منه من‬
‫نص أو إمجاع‪ ،‬وهذا كثري يف خالف األئمة‪ .‬وما أكثر ما نسمع من ينقل اإلمجاع‪،‬‬
‫ولكنه عند التأمل ال يكون إمجاع ًا‪.‬‬
‫السبب السابع‪ :‬أن يأخذ العامل بحديث ضعيف أو يستدل استدال ً‬
‫ال ضعيف ًا‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬أن مسائل االبتداع حيصل بسببها التباين والتفرق بني املسلمني؛‬
‫فإهنا األهواء املردية الداعية صاحبها إىل النار‪ ،‬ومن أجلها ظهرت العداوة‬
‫وانقطعت األخوة يف الدين وسقطت األلفة ‪.‬‬
‫وهذا التباين والفرقة إنام حدثا من املسائل املحدثة التي ابتدعها الشيطان فألقاها‬
‫عىل أفواه أوليائه؛ ليختلفوا فيام بينهم ‪.‬‬
‫أما املسائل االجتهادية فليست حمل افرتاق‪ ،‬اللهم إال إذا مل ُيلتَزَ م فيها بالرشع‪،‬‬
‫وقد وقع اختالف بني الصحابة والتابعني‪ ،‬ومل ينسب املخالف منهم إىل البدعة‬
‫ومفارقة اجلامعة‪ ،‬بل كانوا مع هذا االختالف أهل مودة ونصح‪ ،‬وبقيت بينهم‬

‫‪23‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫أخوة اإلسالم ومل ينقطع عنهم نظام األلفة‪.‬‬


‫قال أبو املظفر السمعاين‪( :‬فكل مسألة حدثت يف اإلسالم‪ ،‬فخاض فيها الناس‪،‬‬
‫فتفرقوا واختلفوا‪ ،‬فلم يورث ذلك االختالف بينهم عداوة وال بغض ًا وال تفرق ًا‪،‬‬
‫وبقيت بينهم األلفة والنصيحة واملودة والرمحة والشفقة؛ علمنا أن ذلك من مسائل‬
‫اإلسالم‪ :‬حيل النظر فيها‪ ،‬واألخذ بقول من تلك األقوال‪ ،‬ال يوجب تبديع ًا وال‬
‫تكفري ًا‪ ،‬كام ظهر مثل هذا االختالف بني الصحابة والتابعني مع بقاء األلفة واملودة‪.‬‬
‫وكل مسألة حدثت‪ ،‬فاختلفوا فيها‪ ،‬فأورث اختالفهم يف ذلك التويل واإلعراض‬
‫والتدابر والتقاطع‪ ،‬وربام ارتقى إىل التكفري؛ علمت أن ذلك ليس من أمر الدين‬
‫يف يشء‪ ،‬بل جيب عىل كل ذي عقل أن جيتنبها‪ ،‬ويعرض عن اخلوض فيها؛ ألن اهلل‬
‫رشط يف متسكنا باإلسالم أنّا نصبح يف ذلك إخوان ًا‪ ،‬فقال تعاىل‪{ :‬ﭸ ﭹ‬
‫((( (((‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ} ) ‪.‬‬

‫الدليل الرابع‪ :‬ما ورد من كالم أهل العلم واستدالالهتم‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫ ‪‬قال ابن تيمية‪( :‬كام تنازع املسلمون أيام أفضل‪ :‬الرتجيع يف األذان أو تركه‪،‬‬
‫وإفراد اإلقامة أو إثناؤها‪ ،‬وصالة الفجر بغلس أو اإلسفار هبا‪ ،‬والقنوت يف الفجر‬
‫أو تركه‪ ،‬واجلهر بالتسمية أو املخافتة هبا أو ترك قراءهتا‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫أقر‬
‫ ‪‬فهذه مسائل االجتهاد التي تنازع فيها السلف واألئمة‪ ،‬فكل منهم َّ‬
‫اآلخر عىل اجتهاده؛ من كان فيها أصاب احلق فله أجران‪ ،‬ومن كان قد اجتهد‬
‫فأخطأ فله أجر وخطؤه مغفور له‪.‬‬
‫فمن ترجح عنده تقليد الشافعي مل ينكر عىل من ترجح عنده تقليد مالك‪ ،‬ومن ترجح‬

‫((( سورة آل عمران‪. 103:‬‬


‫((( صون املنطق والكالم‪. 169 :‬‬

‫‪24‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األدلة على امتناع التبديع في المسائل االجتهادية‬

‫عنده تقليد أمحد مل ينكر عىل من ترجح عنده تقليد الشافعي‪ ،‬ونحو ذلك)(((‪.‬‬
‫ ‪‬وقال ابن القيم‪( :‬فأهل احلديث متوسطون بني هؤالء وبني من استحبه عند‬
‫النوازل وغريها‪ ،‬وهم أسعد باحلديث من الطائفتني‪ :‬فإهنم يقنتون حيث قنت رسول‬
‫اهلل ‪ ،‬ويرتكونه حيث تركه‪ ،‬فيقتدون به يف فعله وتركه‪ ،‬ويقولون‪ :‬فعله سنة‪ ،‬وتركه‬
‫سنة‪ ،‬ومع هذا فال ينكرون عىل من داوم عليه‪ ،‬وال يكرهون فعله‪ ،‬وال يرونه بدعة‪ ،‬وال‬
‫فاعله خمالف ًا للسنة‪ ،‬كام ال ينكرون عىل من أنكره عند النوازل‪ ،‬وال يرون تركه بدعة‪،‬‬
‫وال تاركه خمالف ًا للسنة‪ ،‬بل من قنت فقد أحسن)(((‪.‬‬
‫ ‪‬وقال الشاطبي‪( :‬وليس من شأن العلامء إطالق لفظ البدعة عىل الفروع‪.((( ).. ‬‬
‫ ‪‬وقال رمحه اهلل يف مسألة من املسائل‪( :‬فمثل هذا ال بدعة فيه لرجوعه إىل‬
‫أصل رشعي)(((‪.‬‬
‫ ‪‬وقال الشيخ ابن باز يف مسألة أين يضع املصيل يديه حال القيام بعد الرفع‬
‫من الركوع‪( :‬فال ينبغي ألحد من املسلمني أن يتخذ من اخلالف يف هذه املسألة‬
‫وأشباهها وسيلة إىل النزاع والتهاجر والفرقة‪ ،‬فإن ذلك ال جيوز للمسلمني‪ ،‬حتى‬
‫لو قيل‪ :‬إن القبض واجب‪ ،‬كام اختاره الشوكاين يف النيل ‪... ...‬‬
‫وقد بلغني عن كثري من إخواين املسلمني يف إفريقيا وغريها أنه يقع بينهم شحناء‬
‫كثرية وهتاجر بسبب مسألة القبض واإلرسال‪.‬‬
‫وال شك أن ذلك منكر ال جيوز وقوعه منهم‪ ،‬بل الواجب عىل مجيعهم التناصح‬
‫والتفاهم يف معرفة احلق بدليله‪ ،‬مع بقاء املحبة والصفاء واألخوة اإليامنية ‪.‬‬

‫((( جمموع الفتاوى‪. 292/20 :‬‬


‫((( زاد املعاد‪.275 -274/1 :‬‬
‫((( االعتصام‪.208/1 :‬‬
‫((( املصدر السابق‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫فقد كان أصحاب الرسول ‪ ‬ريض اهلل عنهم والعلامء بعدهم رمحهم اهلل‬
‫خيتلفون يف املسائل الفرعية‪ ،‬وال يوجب ذلك بينهم فرقة وال هتاجر ًا؛ ألن هدف‬
‫كل واحد منهم هو معرفة احلق بدليله‪ ،‬فمتى ظهر هلم اجتمعوا عليه‪ ،‬ومتى خفي‬
‫عىل بعضهم مل يضلل أخاه‪ ،‬ومل يوجب له ذلك هجره ومقاطعته وعدم الصالة‬
‫خلفه‪.‬‬
‫فعلينا مجيع ًا معرش املسلمني أن نتقي اهلل سبحانه‪ ،‬وأن نسري عىل طريقة السلف‬
‫الصالح قبلنا يف التمسك باحلق والدعوة إليه‪ ،‬والتناصح فيام بيننا‪ ،‬واحلرص عىل‬
‫معرفة احلق بدليله‪ ،‬مع بقاء املحبة واألخوة اإليامنية‪ ،‬وعدم التقاطع والتهاجر من‬
‫أجل مسالة فرعية قد خيفى فيها الدليل عىل بعضنا‪ ،‬فيحمله اجتهاده عىل خمالفة‬
‫أخيه يف احلكم)(((‪.‬‬

‫((( جمموع فتاوى سامحة الشيخ‪.231 -230/4 :‬‬

‫‪26‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫مواطن االجتهاد‬
‫في باب البدعة‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫املطلب الثالث‬

‫مواطن االجتهاد يف باب البدعة‬

‫وحتت هذا املطلب أربعة فروع‪:‬‬


‫الفرع األول‪ :‬احلديث ذو الثبوت املحتمل‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬املعنى ذو الداللة املحتملة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬اختالف التنوع يف صفات العبادات الواردة عن النبي ‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬الذرائع املفضية إىل البدعة‪.‬‬
‫***‬

‫الفرع األول‪ :‬احلديث ذو الثبوت املحتمل‪:‬‬


‫وهذا ما يعرف عند األصوليني بالدليل الظني من جهة الثبوت‪ ،‬وهو‪ :‬خرب الواحد ‪.‬‬
‫وذلك أن القول‪ :‬إن هذا احلديث أو ذاك حديث ضعيف حكم رشعي‪ ،‬وهو‬
‫أمر قد يكون ـ يف أحيان كثرية ـ حمل اجتهاد ونظر بني أهل العلم باحلديث فبعضهم‬
‫يرجح ضعف حديث ما‪ ،‬وبعضهم يرجح صحته لذاته أو لغريه‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل ذلك‪ :‬األحاديث الواردة يف مرشوعية مسح الوجه باليدين‬
‫بعد الفراغ من الدعاء‪.‬‬
‫فقد جاء يف سنن الرتمذي‪ :‬عن عمر بن اخلطاب ـ ريض اهلل عنه ـ قال‪ :‬كان‬
‫إذا رفع يديه يف الدعاء مل حيطهام حتى يمسح هبام وجهه‪.‬‬ ‫رسول اهلل ‪‬‬
‫قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن غريب صحيح(((‪.‬‬

‫((( أخرجه الرتمذي‪ 463/5 :‬رقم ‪.3386‬‬

‫‪28‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مواطن االجتهاد في باب البدعة‬

‫وقال ابن حجر‪( :‬وله شواهد‪ ...‬وجمموعها يقتيض أنه حديث حسن)(((‪.‬‬
‫وقال الشيخ حممد العثيمني‪( :‬فمن أمثلته‪ :‬أي أمثلة االستدالل باحلديث‬
‫الضعيف‪ :‬ما ذهب إليه بعض العلامء من استحباب صالة التسبيح‪ ،‬وهو أن‬
‫يصيل اإلنسان ركعتني‪ ،‬يقرأ فيهام بالفاحتة‪ ،‬ويسبح مخس عرشة تسبيحة‪ ،‬وكذلك‬
‫يف الركوع والسجود‪...‬‬
‫ويرى آخرون أن صالة التسبيح بدعة مكروهة‪ ،‬وأن حديثها مل يصح‪ ،‬وممن‬
‫يرى ذلك اإلمام أمحد‪ ،‬وقال‪ :‬إهنا ال تصح عن النبي ‪ ،‬وقال شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية‪ :‬إن حديثها كذب عىل رسول اهلل ‪.‬‬
‫ويف احلقيقة من تأملها وجد أن فيها شذوذ ًا حتى بالنسبة للرشع‪ ،‬إذ إن العبادة‬
‫إما أن تكون نافعة للقلب‪ ،‬والبد لصالح القلب منها فتكون مرشوعة يف كل وقت‬
‫ويف كل مكان‪ ،‬وإما أن ال تكون نافعة فال تكون مرشوعة‪ ،‬وهذه يف احلديث الذي‬
‫جاء عنها يصليها اإلنسان كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو يف العمر مرة‪ ،‬وهذا‬
‫ال نظري له يف الرشع‪ ،‬فدل عىل شذوذها سند ًا ومتن ًا‪ ،‬وأن من قال إهنا كذب‪ ،‬كشيخ‬
‫اإلسالم فإنه مصيب‪ ،‬ولذا قال شيخ اإلسالم‪ :‬إنه مل يستحبها أحد من األئمة) (((‪.‬‬
‫ويف هذا املقام تنبيهان‪:‬‬
‫التنبيه األول‪ :‬أن احلديث الضعيف لفظ ربام يقع فيه إمجال؛ إذ قد يراد بالضعيف‬
‫احلديث الباطل املردود‪ ،‬وقد يراد به احلديث الذي مل يبلغ درجة احلديث الصحيح‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬ليس املراد بالضعيف عند أمحد الباطل وال املنكر وال ما يف‬
‫روايته متهم ال يسوغ الذهاب إليه والعمل به‪ ،‬بل احلديث الضعيف عنده قسيم‬

‫((( بلوغ املرام‪ 1630/4 :‬برقم ‪.1463‬‬


‫((( انظر‪ :‬اخلالف بني العلامء؛ أسبابه وموقفنا منه للعثيمني‪.26 -25 :‬‬

‫‪29‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫الصحيح وقسم من أقسام احلسن ومل يكن يقسم احلديث إىل صحيح وحسن‬
‫وضعيف بل إىل صحيح وضعيف‪ ،‬وللضعيف عنده مراتب) (((‪.‬‬
‫التنبيه الثاين‪ :‬أن األحكام الرشعية وفضائلها ال يصح أن تثبت إال بدليل رشعي‪،‬‬
‫وال جيوز إثباهتا بحديث ال يثبت‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬قول أمحد‪« :‬إذا جاء احلالل واحلرام شدّ دنا يف األسانيد وإذا‬
‫جاء الرتغيب والرتهيب تساهلنا يف األسانيد» وكذلك ما عليه العلامء من العمل‬
‫باحلديث الضعيف يف فضائل األعامل ليس معناه إثبات االستحباب باحلديث‬
‫الذي ال حيتج به‪ ،‬فإن االستحباب حكم رشعي فال يثبت إال بدليل رشعي‪.‬‬
‫ومن أخرب عن اهلل أنه حيب عم ً‬
‫ال من األعامل من غري دليل رشعي فقد رشع من‬
‫الدين ما مل يأذن به اهلل كام لو أثبت اإلجياب أو التحريم) (((‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬املعنى ذو الداللة املحتملة‪:‬‬


‫وهذا ما يعرف عند األصوليني بالدليل الظني من جهة الداللة‪ ،‬وهو‪ :‬الظاهر‬
‫واملجمل ‪.‬‬
‫وبيان ذلك‪ :‬أن الكالم ينقسم إىل‪ :‬نص‪ ،‬وظاهر‪ ،‬وجممل(((‪.‬‬
‫وذلك أن اللفظ ال خيلو من أمرين‪:‬‬
‫إما أن يدل عىل معنى واحد ال حيتمل غريه‪ .‬فهذا هو النص‪.‬‬
‫وإما أن حيتمل غريه‪ ،‬وهذا له حالتان‪.‬‬
‫األوىل‪ :‬أن يكون أحد االحتاملني أظهر‪ .‬فهذا هو الظاهر‪.‬‬

‫((( إعالم املوقعني‪. 31/1 :‬‬


‫((( جمموع الفتاوى‪.65/18 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪ ،)26/2‬وأضواء البيان (‪ ،)94 ،93/1‬ومذكرة الشنقيطي (‪.)176‬‬

‫‪30‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مواطن االجتهاد في باب البدعة‬

‫والثانية‪ :‬أن يتساوى االحتامالن بأال يكون أحدمها أظهر من اآلخر‪ .‬فهذا هو‬
‫املجمل ‪ .‬ومعلوم أن املجمل حمتاج إىل البيان‪ ،‬فمتى ورد البيان زال االحتامل ‪.‬‬
‫فهذه مصطلحات ثالثة‪ :‬النص والظاهر واملجمل‪.‬‬
‫وهي عىل نوعني‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬قطعي الداللة‪ ،‬وهو‪ :‬النص‪.‬‬
‫وتعريف النص عند األصوليني‪ :‬ما ال حيتمل إال معنى واحدً ا‪ ،‬أو‪ :‬ما يفيد‬
‫بنفسه من غري احتامل‪.‬‬
‫ومثال النص ‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬ﰏ ﰐ ﰑﰒ ](((‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أن يصار إليه وال يعدل عنه إال بنسخ(((‪.‬‬
‫والنوع الثاين‪ :‬ظني الداللة‪ ،‬ويدخل حتت هذا النوع‪ :‬الظاهر واملجمل ‪.‬‬
‫ومعنى الظاهر عند األصوليني‪ :‬ما احتمل معنيني فأكثر‪ ،‬هو يف أحدمها أو‬
‫أحدها أرجح‪ ،‬أو ما تبادر منه عند اإلطالق معنى مع جتويز غريه‪.‬‬
‫«ومن الظواهر‪ :‬مطلق صيغ األمر؛ فإن ظاهره الوجوب‪ ،‬ومنه صيغ‬
‫العموم»‪.((( ‬‬
‫ومثاله‪ :‬لفظ‪« :‬األسد» فإنه ظاهر يف احليوان املفرتس‪ ،‬ويبعد أن يراد به الرجل‬
‫الشجاع مع احتامل اللفظ له‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أن يصار إىل املعنى الظاهر‪ ،‬وال جيوز العدول عنه إال بدليل أقوى‬
‫منه يدل عىل رصف اللفظ عن ظاهره املتبادر منه إىل االحتامل املرجوح‪ ،‬وهذا ما‬

‫((( البقرة‪.196 :‬‬


‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪ ،)27/2‬وقواعد األصول (‪ ،)51‬وأضواء البيان (‪ ،)93/1‬ومذكرة‬
‫الشنقيطي (‪.)176‬‬
‫((( البحر املحيط‪.465/1 :‬‬

‫‪31‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫يسمى بالتأويل((( ‪.‬‬


‫وأما املجمل يف اصطالح األصوليني فهو‪« :‬ما احتمل معنيني أو أكثر من غري‬
‫ترجح لواحد منهام أو منها عىل غريه»‪.‬‬
‫ومثال املجمل‪ :‬القرء إذ هو مرتدد بني احليض والطهر‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬التوقف فيه حتى يتبني املراد منه‪ ،‬فال جيوز العمل بأحد احتامالته إال‬
‫بدليل خارجي صحيح‪ ،‬فهو حمتاج إىل البيان(((‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل االختالف يف املجمل‪« :‬اختالفهم يف املراد من القرء هل هو‬
‫احليض أو األطهار؟ ففهمت طائفة منه احليض‪ ،‬وأخرى الطهر‪.‬‬
‫وكام فهمت طائفة من اخليط األبيض واألسود اخليطني املعروفني‪ ،‬وفهم غريهم‬
‫بياض النهار وسواد الليل‪.‬‬
‫وكام فهمت طائفة من قوله يف التيمم‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)‬
‫(((‬

‫املسح إىل اآلباط ففعلوه‪ ،‬وفهم آخرون املسح إىل املرافق ففعلوه‪ ،‬وأسعد الناس بفهم‬
‫اآلية من فهم منها املسح إىل الكوع‪ ،‬وهذا هو الذي فهمه رسول اهلل من اآلية»(((‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل الظاهر يف باب البدعة‪ :‬القول بمرشوعية وضع اليدين عىل‬
‫الصدر حال القيام بعد الركوع؛ استناد ًا إىل ظاهر عموم حديث وائل بن حجر ـ‬
‫ريض اهلل عنه ـ‪« :‬أن النبي ‪ ‬كان إذا كان قائ ًام يف الصالة قبض بيمينه عىل شامله»‬
‫وأن ذلك يشمل القيام قبل الركوع وبعده ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪ ،)30 ،29/2‬وخمترص ابن اللحام (‪ ،)131‬ورشح الكوكب املنري (‪،)460/3‬‬
‫وأضواء البيان (‪ ،)94/1‬ومذكرة الشنقيطي (‪.)176‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر‪ 45 -43/2 :‬وقواعد األصول‪ 52 :‬وخمترص ابن اللحام‪ 126 :‬ورشح‬
‫الكوكب املنري‪ 414/3 :‬وأضواء البيان‪.94 -93/1 :‬‬
‫((( املائدة‪.6:‬‬
‫((( الصواعق‪.566 -565/2 :‬‬

‫‪32‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مواطن االجتهاد في باب البدعة‬

‫قال الشيخ ابن باز‪( :‬وبذلك يتضح أن املرشوع للمصيل يف حال قيامه يف الصالة‬
‫أن يضع يده اليمنى عىل ذراعه اليرسى سواء كان ذلك يف القيام قبل الركوع أو‬
‫بعده ألنه مل يثبت عن النبي ‪ ‬فيام نعلم التفريق بينهام ومن فرق فعليه الدليل‪.‬‬
‫وقد ثبت يف حديث وائل بن حجر عند النسائي بإسناد صحيح «أن النبي ‪‬‬
‫كان إذا كان قائ ًام يف الصالة قبض بيمينه عىل شامله»((( ويف رواية له أيض ًا(((وأليب‬
‫داود بإسناد صحيح((( عن وائل‪« :‬أنه رأى النبي ‪ ‬بعد ما كرب لإلحرام وضع‬
‫يده اليمنى عىل ظهر كفه اليرسى والرسغ والساعد»‪ ،‬وهذا رصيح صحيح يف‬
‫وضع املصيل حال قيامه يف الصالة كفه اليمنى عىل كفه اليرسى والرسغ والساعد‪،‬‬
‫وليس فيه تفريق بني القيام الذي قبل الركوع والذي بعده فاتضح بذلك شمول‬
‫هذا احلديث للحالني مجيع ًا ‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر رمحه اهلل يف الفتح عىل ترمجة البخاري املذكورة آنف ًا ما نصه‪:‬‬
‫«باب وضع اليمنى عىل اليرسى يف الصالة» أي يف حال القيام‪ ،‬وقوله‪« :‬كان الناس‬
‫يؤمرون» هذا حكمه الرفع؛ ألنه حممول عىل أن اآلمر هلم بذلك هو النبي ‪. ((()‬‬
‫وقال الشيخ األلباين‪( :‬ولست أشك يف أن وضع اليدين عىل الصدر يف هذا القيام‬
‫[يعني القيام بعد الركوع] بدعة ضاللة؛ ألنه مل يرد مطلق ًا يف يشء من أحاديث‬
‫الصالة وما أكثرها‪ ،‬ولو كان له أصل لنقل إلينا‪ ،‬ولو عن طريق واحد‪ ،‬ويؤيده أن‬
‫أحد ًا من السلف مل يفعله‪ ،‬وال ذكره أحد من أئمة احلديث فيام أعلم) (((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬سنن النسائي‪ 309/1 :‬رقم ‪.961‬‬


‫((( انظر‪ :‬سنن النسائي‪ 310/1 :‬رقم ‪.963‬‬
‫((( انظر‪ :‬سنن أيب داود‪ 264/1 :‬رقم ‪.726‬‬
‫((( جمموع فتاوى سامحة الشيخ‪.231 -230/4 :‬‬
‫((( صفة صالة النبي ‪.82 :‬‬

‫‪33‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اختالف التنوع يف صفات العبادات الواردة عن النبي ‪: ‬‬

‫وذلك أن هذا النوع من العبادات بمنزلة القراءات الثابتة عن النبي ‪ ‬التي‬


‫اتفق الناس عىل جواز القراءة بأي منها‪.‬‬
‫فمن هذا الباب‪ :‬االستفتاحات املنقولة عن النبي ‪ ‬أنه كان يقوهلا يف قيام‬
‫الليل‪ ،‬وأنواع األدعية التي كان يدعو هبا يف صالته يف آخر التشهد‪.‬‬
‫ومن ذلك أيض ًا‪ :‬أنواع صالة اخلوف التي صالها رسول اهلل ‪.‬‬
‫وكذلك أنواع االستسقاء فإنه استسقى مرة يف مسجده بال صالة االستسقاء‪،‬‬
‫ومرة خرج إىل الصحراء فصىل هبم ركعتني‪ ،‬وكانوا يستسقون بالدعاء بال صالة‪،‬‬
‫كام فعل ذلك خلفاؤه ‪ .‬فذلك كله حسن جائز(((‪.‬‬
‫ومن ذلك أيض ًا‪ :‬مسألة القنوت يف الفجر ‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬فنحن مل نتعرض يف هذا الكتاب ملا جيوز وملا ال جيوز‪ ،‬وإنام مقصودنا فيه‬
‫هدي النبي ‪ ‬الذي كان خيتاره لنفسه‪ ،‬فإنه أكمل اهلدي وأفضله ‪.‬‬
‫فإذا قلنا‪ :‬مل يكن من هديه‪ :‬املداومة عىل القنوت يف الفجر‪ ،‬وال اجلهر بالبسملة مل يدل ذلك‬
‫عىل كراهية غريه وال أنه بدعة‪ ،‬ولكن هديه ‪ ‬أكمل اهلدي وأفضله‪ ،‬واهلل املستعان) ((( ‪.‬‬
‫وقال أيض ًا‪( :‬نعم صح عن أيب هريرة أنه قال ‪ :‬واهلل ألنا أقربكم صالة برسول‬
‫اهلل ‪ ‬فكان أبو هريرة يقنت يف الركعة األخرية من صالة الصبح بعدما يقول‪:‬‬
‫سمع اهلل ملن محده فيدعو للمؤمنني ويلعن الكفار ‪.‬‬
‫وال ريب أن رسول اهلل ‪ ‬فعل ذلك ثم تركه‪ ،‬فأحب أبو هريرة أن يعلمهم‪:‬‬
‫أن مثل هذا القنوت سنة‪ ،‬وأن رسول اهلل ‪ ‬فعله‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪.287/22 :‬‬


‫((( زاد املعاد‪.275/1 :‬‬

‫‪34‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مواطن االجتهاد في باب البدعة‬

‫وهذا رد عىل أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت يف الفجر مطلق ًا عند النوازل‬
‫وغريها‪ ،‬ويقولون ‪ :‬هو منسوخ وفعله بدعة‪.‬‬
‫فأهل احلديث متوسطون بني هؤالء وبني من استحبه عند النوازل وغريها ‪.‬‬
‫وهم أسعد باحلديث من الطائفتني)(((‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬الذرائع املفضية إىل البدعة‪:‬‬


‫وذلك أن كل عمل ـ ولو كان مرشوع ًا ـ ُيفيض إىل اإلحداث يف دين اهلل من غري‬
‫دليل فهو ـ إن مل يكن بدعة ـ ملحق بالبدعة‪.‬‬
‫واملقصود من هذا محاية جناب الرشيعة من البدع‪ ،‬وذلك بمنع الطرق والوسائل‬
‫التي تؤدي إىل االبتداع‪.‬‬
‫قال ابن اجلوزي‪( :‬فإن اب ُتدع يشء ال خيالف الرشيعة‪ ،‬وال يوجب التعاطي‬
‫عليها؛ فقد كان مجهور السلف يكرهونه‪ ،‬وكانوا ينفرون من كل مبتدَ ع وإن كان‬
‫(((‬
‫جائز ًا حفظ ًا لألصل‪ ،‬وهو االتباع) ‪.‬‬
‫وقد ثبت عن السلف الصالح ترك أشياء مباحة أو مرشوعة سد ًا لذريعة‬
‫االبتداع يف الدين‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫امتناع عثامن ـ ريض اهلل عنه ـ عن قرص الصالة وهو مسافر بمنى‪ ،‬فيقال له‪:‬‬
‫أليس قرصت مع النبي ‪ ‬فيقول‪( :‬بىل‪ ،‬ولكني إمام الناس‪ ،‬فينظر إ َّيل األعراب‬
‫(((‬
‫وأهل البادية أصيل ركعتني فيقولون‪ :‬هكذا فرضت) ‪.‬‬

‫((( زاد املعاد‪.274/1 :‬‬


‫((( تلبيس إبليس‪.16 :‬‬
‫((( أخرجه أبو داود‪ 200 ،199/2 :‬برقم ‪ . 1964 ،1961‬وانظر‪ :‬احلوادث والبدع‪ 42 :‬والباعث‪:‬‬
‫‪ 57‬واالعتصام‪. 106 ،32 ،31/2 :‬‬

‫‪35‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫ومن ذلك أيض ًا‪ :‬ترك بعض الصحابة ريض اهلل عنهم األضحية خشية أن يظن‬
‫أهنا واجبة‪ُ ،‬نقل ذلك عن أيب بكر وعمر وابن عباس ـ ريض اهلل عنهم ـ وقال أبو‬
‫مسعود البدري ـ ريض اهلل عنه ـ ‪( :‬إين ألترك أضحيتي وإين ملن أيرسكم؛ خمافة أن‬
‫يظن اجلريان أهنا واجبة)(((‪.‬‬
‫وقال ابن وضاح‪« :‬وقد كان مالك يكره كل بدعة وإن كانت يف خري‪ ،‬ولقد كان‬
‫مالك يكره املجيء إىل بيت املقدس خيفة أن يتخذ ذلك سنة‪ ،‬وكان يكره جميء‬
‫قبور الشهداء‪ ،‬ويكره جميء قباء خوف ًا من ذلك‪ ،‬وقد جاءت اآلثار عن النبي ‪‬‬
‫بالرغبة يف ذلك‪ ،‬ولكن ملا خاف العلامء عاقبة ذلك تركوه»(((‪.‬‬
‫إال أنه البد من التبني يف إطالق احلكم عىل عمل من األعامل بأنه بدعة ملجرد‬
‫إفضائه إىل االبتداع؛ حيث إن احلكم عىل كون اليشء ذريعة مفضية إىل املفسدة أمر‬
‫ظني يف الغالب‪ ،‬ويدخله االجتهاد يف كثري من األحيان ‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل ذلك‪ :‬استخدام املسبحة يف التسبيح‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬وربام تظاهر أحدهم بوضع السجادة عىل منكبه وإظهار‬
‫املسابح يف يده وجعله من شعار الدين والصالة ‪ .‬وقد علم بالنقل املتواتر أن النبي‬
‫‪ ‬وأصحابه مل يكن هذا شعارهم‪ ،‬وكانوا يسبحون ويعقدون عىل أصابعهم؛ كام‬
‫جاء يف احلديث‪« :‬اعقدن باألصابع؛ فإهنن مسؤوالت ‪ ،‬مستنطقات»((( وربام عقد‬
‫أحدهم التسبيح بحىص أو نوى‪.‬‬
‫((( أخرج ذلك مجيعه البيهقي يف السنن الكربى‪ . 265/9 :‬وقد صحح احلافظ ابن حجر أثر أيب‬
‫مسعود كام يف التلخيص احلبري‪ . 145/4 :‬وانظر ‪ :‬احلوادث البدع‪ 43 :‬والباعث‪ 57 :‬واالعتصام‪:‬‬
‫‪. 107/2‬‬
‫((( البدع والنهي عنها‪ 52 :‬وانظر‪ :‬االعتصام‪. 347/1 :‬‬
‫((( أخرجه الرتمذي‪ 562 :‬برقم ‪ 3583‬بلفظ‪( :‬اعقدن باألنامل‪. )...‬واحلديث األلباين يف صحيح‬
‫اجلامع‪. 4087 :‬‬

‫‪36‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مواطن االجتهاد في باب البدعة‬

‫رخص فيه‪ ،‬لكن مل يقل‬


‫والتسبيح باملسابح‪ :‬من الناس من كرهه‪ ،‬ومنهم من ّ‬
‫أحد‪ :‬إن التسبيح به أفضل من التسبيح باألصابع وغريها)‪.‬‬
‫وسئل الشيخ حممد بن صالح العثيمني عن التسبيح باملسبحة هل هي بدعة؟‬
‫فأجاب‪:‬‬
‫(التسبيح باملسبحة تركه أوىل‪ ،‬وليس ببدعة؛ ألن له أص ً‬
‫ال‪ ،‬وهو تسبيح بعض‬
‫الصحابة باحلىص‪ ،‬ولكن الرسول ‪ ‬أرشد إىل أن التسبيح باألصابع أفضل وقال‪:‬‬
‫" اعقدن ‪ -‬خياطب النساء ‪ -‬باألنامل فإهنن مستنطقات"‪.‬‬
‫فالتسبيح باملسبحة ليس حرام ًا‪ ،‬وال بدعة‪ ،‬لكن تركه أوىل؛ ألن الذي يسبح‬
‫باملسبحة ترك األوىل‪ ،‬وربام يشوب تسبيحه يشء من الرياء؛ ألننا نشاهد بعض‬
‫الناس يتقلد مسبحة فيها ألف خرزة‪ ،‬كأنام يقول للناس‪ :‬انظروين إين أسبح ألف‬
‫تسبيحة‪ ،‬ثالث ًا‪ :‬أن الذي يسبح باملسبحة يف الغالب يكون غافل القلب‪ ،‬وهلذا جتده‬
‫يسبح باملسبحة وعيونه يف السامء وعىل اليمني وعىل الشامل‪ ،‬مما يدل عىل غفلة‬
‫قلبه‪.‬‬
‫فاألوىل أن يسبح اإلنسان بأصابعه‪ ،‬واألوىل أن يسبح باليد اليمنى دون‬
‫اليرسى؛ ألن النبي ‪ ‬كان يعقد التسبيح بيمينه‪ ،‬ولو سبح بيديه مجيع ًا فال بأس‪،‬‬
‫لكن األفضل أن يسبح بيده اليمنى فقط) (((‪.‬‬
‫وقال الشيخ األلباين‪( :‬السبحة بدعة مل تكن عىل عهد النبي ‪ ‬إنام حدثت‬
‫بعده)(((‪.‬‬
‫وقال أيض ًا‪( :‬ولو مل يكن يف السبحة إال سيئة واحدة‪ ،‬وهي أهنا قضت عىل سنة‬

‫((( لقاء الباب املفتوح‪. 34/3 :‬‬


‫((( لقاء الباب املفتوح‪. 34/3 :‬‬

‫‪37‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫العد باألصابع أو كادت مع اتفاقهم عىل أهنا أفضل لكفى فإين قلام أرى شيخ ًا يعقد‬
‫التسبيح باألنامل) (((‪.‬‬
‫وقال الشيخ بكر أبو زيد‪( :‬ال يسرتيب منصف أن اختاذ السبحة لتعداد األذكار‬
‫تشبه بالكفار‪ ،‬وبدعة مضافة يف التعبد باألذكار واألوراد‪ ،‬وعدول عن الوسيلة‬
‫املرشوعة‪« :‬العدُّ باألنامل» التي ّ‬
‫دل عليها النبي ‪ ‬بقوله وفعله‪ ،‬وتوارثه املهتدون‬
‫هبديه ‪...‬‬
‫وأنه إذا انضاف إىل السبحة أمر زائد غري مرشوع‪ ،‬مثل‪ :‬جعلها يف األعناق‬
‫تعبد ًا‪ ،‬والتغايل فيها من أهنا حبل الوصل إىل اهلل‪ ،‬ودخول أي معتقد نفع ًا أو رض ًا‪،‬‬
‫وإظهار التنسك والزهادة‪ ،‬إىل غري ذلك مما يأباه الرشع املطهر؛ فإنه حيرم اختاذها‬
‫بوجه أشد) (((‪.‬‬
‫واجلامع بني هذه الفروع األربعة التي هي من مواطن االجتهاد يف باب البدعة‪:‬‬
‫أن كل مسألة كان هلا حظ من الدليل الرشعي املعترب فهي معدودة من مواطن‬
‫االجتهاد‪ ،‬وال تكون بحال من األحوال من قبيل البدعة‪ ،‬وذلك أن البدعة ليس‬
‫هلا من الدليل حظ معترب‪.‬‬
‫وذلك أن البدعة ال ختلو من شبهة أو دليل موهوم؛ فهي تستند إىل دليل يظن أنه‬
‫دليل صحيح‪ ،‬لكنه عند التحقيق ليس بدليل‪.‬‬

‫((( لقاء الباب املفتوح‪. 34/3 :‬‬


‫((( لقاء الباب املفتوح‪. 34/3 :‬‬

‫‪38‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫متى يسوغ التبديع‬
‫في باب االجتهاد؟‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫املطلب الرابع‬

‫متى يسوغ التبديع يف باب االجتهاد؟‬

‫تقدم بيان أن األصل يف املسائل االجتهادية امتناع التبديع فيها‪ ،‬إال أن هناك‬
‫نوعني من املسائل يف باب االجتهاد يقع فيهام التبديع‪.‬‬
‫أوهلام‪ :‬تلك املسائل االجتهادية التي مل ُيلتزم فيها بالرشع‪.‬‬
‫وثانيهام‪ :‬االجتهاد يف حتقيق املناط‪.‬‬
‫وبيان ذلك يف التايل‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬املسائل االجتهادية التي مل ُيلتزم فيها بالرشع‪: ‬‬
‫االبتداع ال يتطرق إىل املسائل االجتهادية من جهة كوهنا اجتهادية‪ ،‬لكنه قد‬
‫يتطرق إليها من جهة أخرى خارجية‪ ،‬وذلك أن املسائل االجتهادية يف ذاهتا ليست‬
‫حمل افرتاق‪ ،‬هذا هو األصل(((‪.‬‬
‫لكنها قد تكون حمل افرتاق‪ ،‬وذلك إذا مل ُيلتزم فيها بالرشع ‪.‬‬
‫فهذا النوع من املسائل يدخله التبديع ‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل ذلك‪ :‬أن ُتفيض املخالفة يف املسألة االجتهادية إىل وقوع اخلصومة‬
‫والتنازع بني املسلمني‪ ،‬أو تكون هذه املخالفة شعار ًا لبعض أهل البدع(((‪.‬‬
‫قال ابن تيمية يف كالمه حول بدع الرافضة‪( :‬فمن الناس من يعد من بدعهم‪:‬‬
‫اجلهر بالبسملة‪ ،‬وترك املسح عىل اخلفني‪ :‬إما مطلق ًا وإما يف احلرض‪ ،‬والقنوت يف‬
‫الفجر‪ ،‬ومتعة احلج‪ ،‬ومنع لزوم الطالق البدعي‪ ،‬وتسطيح القبور‪ ،‬وإسبال اليدين‬

‫((( انظر‪ :‬صون املنطق والكالم‪.169 :‬‬


‫((( انظر‪ :‬املصدر السابق‪.168 :‬‬

‫‪40‬‬
‫المطلب الرابع‪:‬متى يسوغ التبديع في باب االجتهاد‬

‫يف الصالة‪ ،‬ونحو ذلك من املسائل التي تنازع فيها علامء السنة‪.‬‬
‫وقد يكون الصواب فيها القول الذي يوافقهم‪ ،‬كام يكون الصواب هو القول‬
‫الذي خيالفهم‪ ،‬لكن املسألة اجتهادية؛ فال تنكر إال إذا صارت شعار ًا ألمر ال‬
‫يسوغ‪ ،‬فتكون دلي ً‬
‫ال عىل ما جيب إنكاره‪ ،‬وإن كانت نفسها يسوغ فيها االجتهاد‪،‬‬
‫ومن هذا وضع اجلريد عىل القرب؛ فإنه منقول عن بعض الصحابة‪ ،‬وغري ذلك من‬
‫املسائل) (((‪.‬‬
‫وهبذا النظر فقد درج مجع من أئمة السلف عىل إحلاق طائفة من مسائل الفروع‬
‫بأبواب االعتقاد يف مصنفاهتم‪ ،‬فمن ذلك((( ‪:‬‬
‫‪o‬مرشوعية املسح عىل اخلفني؛ خمالفة للروافض‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫‪o‬ترك اجلهر بالبسملة يف الصالة اجلهرية؛ خمالفة للروافض الذين‬ ‫‪o‬‬
‫يستحبون اجلهر بالبسملة يف مواضع اإلخفات‪.‬‬
‫‪o‬املبادرة بصالة املغرب إذا دخل وقتها قبل ظهور النجوم؛ خمالفة لليهود‬ ‫‪o‬‬
‫ومن تأثر هبم من الرافضة‪.‬‬
‫‪o‬استحسان الفصل بني صالة اجلمعة والنافلة بعدها؛ خمالفة لبعض أهل‬ ‫‪o‬‬
‫البدع الذين ال ينوون اجلمعة بل ينوون الظهر‪ ،‬ويظهرون أهنم س َّلموا‪ ،‬وما س َّلموا‬
‫فيصلون الظهر أربع ركعات ‪.‬‬
‫‪o‬استحباب إقامة صالة الرتاويح مجاعة؛ خالف ًا للروافض القائلني‪ :‬إهنا‬ ‫‪o‬‬
‫بدعة حدثت يف عهد عمر ـ ريض اهلل عنه ـ ‪.‬‬
‫ ‬

‫((( منهاج السنة النبوية‪. 19/1 :‬‬


‫((( انظر‪ :‬مسائل الفروع يف مصنفات العقيدة للدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫النوع الثاين‪ :‬االجتهاد يف حتقيق املناط‪:‬‬


‫إذا ثبت احلكم بالبدعة عىل صورة ما فإن االجتهاد يف حتقيق مناط هذا احلكم‬
‫بالبدعة عىل آحاد الصور ال يمنع من إطالق وصف البدعة عىل تلك الصورة‬
‫بعينها‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل ذلك‪ :‬أن يقال‪ :‬إن ختصيص يوم من السنة بعينه بالصيام دون‬
‫أن يثبت هذا التخصيص من جهة الشارع فإنه يعد بدعة(((‪.‬‬
‫فلو قام فالن من الناس هبذا التخصيص فإن تطبيق احلكم بالبدعة عىل فعله‬
‫هذا يندرج حتت االجتهاد يف حتقيق املناط‪.‬‬
‫واالجتهاد يف حتقيق املناط ال ينايف االبتداع؛ إذ ما من يشء حيكم بكونه بدعة إال‬
‫ويتوقف عىل حتصيل هذا النوع من االجتهاد‪ ،‬وهو االجتهاد يف حتقيق املناط‪.‬‬
‫ثم إن القول‪ :‬إن االجتهاد يف حتقيق املناط ينايف وصف االبتداع يلزم منه أال‬
‫ال‪ ،‬بل حتى البدع املجمع عليها يتوقف تطبيق حكمها يف آحاد‬ ‫توجد بدعة أص ً‬
‫الصور وأعيان املسائل ـ والبد ـ عىل االجتهاد يف حتقيق املناط‪.‬‬
‫ومن املقرر أن باب االجتهاد يف حتقيق املناط ال يتصور انغالقه بحال من‬
‫(((‬
‫األحوال إىل قيام الساعة ‪.‬‬
‫ثم إنه ال يشرتط لالجتهاد فيه رشوط االجتهاد املعروفة من العلم الرشعي‬
‫ونحوه‪.‬‬

‫((( انظر ‪ :‬الباعث‪ 51 :‬وجمموع الفتاوى‪ 196/20 :‬واالعتصام‪.12/2 :‬‬


‫((( انظر ‪ :‬املوافقات‪. 12/5 :‬‬

‫‪42‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫حكم تبديع المجتهد‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫املطلب اخلامس‬

‫حكــم تبديـــع املجتهـــد‬


‫ويف هذا املطلب ثالث مسائل‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬حقيقة املجتهد‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬حكم املجتهد من حيث التأثيم وعدمه‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬هل يسمى املجتهد املخطئ يف باب البدعة مبتدع ًا؟‬
‫*****‬
‫املسألة األوىل‪ :‬حقيقة املجتهد‪:‬‬
‫وتتبني حقيقة املجتهد يف أمرين‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬التعريف باملجتهد ‪.‬‬
‫املجتهد هو الفقيه البالغ العاقل ذو ملكة يقتدر هبا عىل استنتاج األحكام من مآخذها(((‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬الرشوط التي جيب توفرها يف املجتهد(((‪.‬‬
‫الرشط األول‪ :‬أن حييط بمدارك األحكام وهي‪ :‬الكتاب والسنة واإلمجاع‬
‫والقياس واالستصحاب‪ ،‬وغريها من األدلة التي يمكن اعتبارها‪.‬‬
‫وأن تكون لديه معرفة بمقاصد الرشيعة‪ ،‬واملعترب يف ذلك أن يعرف من الكتاب‬
‫والسنة ما يتعلق باألحكام‪ ،‬ومعرفة الناسخ واملنسوخ‪ ،‬وأسباب النزول‪ ،‬ومواقع‬
‫اإلمجاع واخلالف‪ ،‬وصحيح احلديث وضعيفه ‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬البحر املحيط‪. 199/6 :‬‬


‫((( انظر‪ :‬الرسالة‪ 511 – 509 :‬وجامع بيان العلم وفضله‪ 61/2 :‬وروضة الناظر‪– 4091/2 :‬‬
‫‪ 406‬وجمموع الفتاوى‪ 583/20 :‬وإعالم املوقعني‪ 46/1 :‬والبحر املحيط‪206 -199/6 :‬‬
‫ورشح الكوكب املنري‪ 467 – 459/4 :‬ومذكرة الشنقيطي‪. 312 -311 :‬‬

‫‪44‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬حكم تبديع المجتهد‬

‫الرشط الثاين‪ :‬أن يكون عاملًا بلسان العرب؛ ليعرف القدر الذي يفهم به خطاهبم‬
‫وعادهتم يف االستعامل إىل حد يميز به بني رصيح الكالم وظاهره‪ ،‬وجممله ومبينه‪،‬‬
‫وعامه وخاصه‪ ،‬وحقيقته وجمازه‪.‬‬
‫ويكفيه من اللغة أن يعرف غالب املستعمل وال يشرتط التبحر وإنام املعترب معرفة ما‬
‫يتوقف عليه فهم الكالم ‪.‬‬
‫الرشط الثالث‪ :‬أن يكون عار ًفا بالعام واخلاص‪ ،‬واملطلق واملقيد‪ ،‬والنص والظاهر‬
‫واملؤول‪ ،‬واملجمل واملبني‪ ،‬واملنطوق واملفهوم‪ ،‬واملحكم واملتشابه‪ ،‬واألمر والنهي‪.‬‬
‫وال يلزمه من ذلك إال القدر الذي يتعلق بالكتاب والسنة ويدرك به مقاصد اخلطاب‬
‫وداللة األلفاظ‪ ،‬بحيث تصبح لديه ملكة وقدرة عىل استنباط األحكام من أدلتها‪.‬‬
‫قال الزركيش‪( :‬واحلاصل أنه ال بد أن يكون حميط ًا بأدلة الرشع يف غالب األمر‪،‬‬
‫متمكن ًا من اقتباس األحكام منها‪ ،‬عارف ًا بحقائقها ورتبها‪ ،‬عامل ًا بتقديم ما يتقدم‬
‫منها وتأخري ما يتأخر ‪.‬‬
‫وقد عرب الشافعي رمحه اهلل عن الرشوط كلها بعبارة وجيزة جامعة فقال‪« :‬من‬
‫عرف كتاب اهلل نص ًا واستنباط ًا استحق اإلمامة يف الدين»)((( ‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬اكتامل هذه الصفات يف اإلنسان كاألمر املتعذر‪ ،‬لكن كلام كمل فيها كان‬
‫منصبه يف االجتهاد أعىل وأتم‪ ،‬وجيوز أن حتصل صفة االجتهاد يف فن دون فن‪ ،‬بل‬
‫يف مسألة دون مسألة‪.‬‬
‫ويكفي يف ذلك عىل الصحيح من أقوال األصوليني أن يكون هذا الناظر جمتهد ًا‬
‫ال بام عداها من‬ ‫ـ عىل األقل ـ يف املسألة التي ينظر فيها وما يتصل هبا‪ ،‬وإن كان جاه ً‬

‫((( البحر املحيط‪. 205/6 :‬‬

‫‪45‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫املسائل‪ ،‬وذلك أن وجود املجتهد املطلق أمر عزيز(((‪.‬‬


‫قال ابن القيم‪( :‬االجتهاد حالة تقبل التجزؤ واالنقسام؛ فيكون الرجل جمتهد ًا‬
‫يف نوع من العلم مقلد ًا يف غريه‪ ،‬أو يف باب من أبوابه؛ كم استفرغ وسعه يف نوع‬
‫العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غريها من العلوم‪ ،‬أو‬
‫يف باب اجلهاد أو احلج أو غري ذلك ‪.‬‬
‫فهذا ليس له الفتوى فيام مل جيتهد فيه ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫وال تكون معرفته بام اجتهد فيه مسوغة له اإلفتاء بام ال يعلم يف غريه)‬
‫(((‬

‫وإذا قلنا بجواز جتزؤ االجتهاد فالبد فيه من رشطني(((‪:‬‬


‫األول‪ :‬أن تكون لديه أهلية وقدرة عىل االستنباط ‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن يستجمع ما يتعلق هبذه اجلزئية من أدلة وقواعد ‪.‬‬

‫املسألة الثانية‪ :‬حكم املجتهد من حيث التأثيم وعدمه‪:‬‬


‫قبل احلديث عن حكم املجتهد من حيث التأثيم وعدمه البد من بيان أصول‬
‫مهمة تتعلق هبذه املسألة‪ ،‬وهي(((‪:‬‬
‫األصل األول‪ :‬أن احلق عند اهلل واحد‪ ،‬غري متعدد(((‪.‬‬
‫األصل الثاين‪ :‬أن بعض املجتهدين مصيب للحق وبعضهم خمطئ ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحصول للرازي‪ 37-36/6 :‬وروضة الناظر‪ 407 ،406/2 :‬وجمموع الفتاوى‪:‬‬
‫‪ 204،212/20‬والرد عىل من أخلد إىل األرض‪ 152 :‬ومذكرة الشنقيطي‪. 312 :‬‬
‫((( إعالم املوقعني‪. 216/4 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر املحيط‪. 210/6:‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪ ،207/20‬و‪ ،80 ،79/30‬و‪ ،213 ،212 ،233 ،232/35‬و‪،43/29‬‬
‫‪ ،)44‬وإعالم املوقعني (‪،49/1‬و‪ ،)289 ،288/3‬ورشح الكوكب املنري (‪.)492/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪ ،)420 ،414/2‬وجمموع الفتاوى (‪ ،)123/19 ،27/20‬ورشح الكوكب‬
‫املنري (‪.)488/4‬‬

‫‪46‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬حكم تبديع المجتهد‬

‫ومن األدلة عىل ذلك‪ :‬قوله ‪« :‬إذا حكم احلاكم فاجتهد ثم أصاب فله‬
‫أجران‪ ،‬وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» ((( فقسم ‪ ‬املجتهدين إىل مصيب‬
‫له أجران‪ ،‬وخمطئ له أجر واحد فقط‪.‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬أن ك ً‬
‫ال من املختلفني يف املسائل االجتهادية ال خيرجه هذا‬
‫اخلالف من دائرة اإليامن إذا ردوا ما تنازعوا فيه إىل اهلل ورسوله ‪.‬‬
‫األصل الرابع‪ :‬أن املجتهد ال يصح له أن يقطع بصواب قوله وخطأ قول من‬
‫خالفه فيام إذا كانت املسألة حمتملة‪.‬‬
‫األصل اخلامس‪ :‬أن املجتهد يتعني عليه اتباع ما أداه إليه اجتهاده‪ ،‬وال جيوز له‬
‫ال‪ ،‬فيصح أن يرد عن املجتهد قوالن‬ ‫ترك ذلك إال إذا تبني له خطأ ما ذهب إليه أو ً‬
‫متناقضان يف وقتني خمتلفني ال يف وقت واحد‪.‬‬
‫األصل السادس‪ :‬أن املجتهد ليس له إلزام الناس باتباع قوله‪.‬‬
‫وأما الكالم عىل هذه املسألة فيمكن بيانه عىل النحو التايل‪:‬‬
‫ال‪ :‬ال خالف بني أهل العلم يف أن املجتهد ـ وهو الذي توفرت فيه رشوط‬ ‫أو ً‬
‫االجتهاد ـ إذا كان مصيب ًا للحق موافق ًا للصواب فهو مأجور ‪.‬‬
‫والدليل عىل ذلك‪ :‬قوله ‪« :‬إذا حكم احلاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران‪ ،‬وإذا‬
‫له أجران(((‪.‬‬ ‫حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» ((( فقد أثبت الرسول الكريم ‪‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬وقع نزاع بني العلامء يف املجتهد ـ وهو الذي توفرت فيه رشوط االجتهاد ـ‬
‫إذا كان خمطئ ًا للحق خمالف ًا للصواب فهل هو معذور أو ال؟ وهل يأثم أو ال يأثم؟‬

‫((( أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬وقد تقدم يف املطلب الثاين ‪.‬‬


‫((( أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬وقد تقدم يف املطلب الثاين ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪.)19/20 ،213/19 ،124/13‬‬

‫‪47‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫مذهب السلف من الصحابة ـ ريض اهلل عنهم ـ والتابعني هلم بإحسان(((‪:‬‬


‫أهنم ال يكفرون‪ ،‬وال يفسقون‪ ،‬وال يؤثمون أحدً ا من املجتهدين املخطئني ال‬
‫يف مسألة علمية وال عملية‪ ،‬وال يف األصول وال يف الفروع‪ ،‬وال يف القطعيات وال‬
‫يف الظنيات‪.‬‬
‫وذلك وفق الضوابط التالية(((‪:‬‬
‫الضابط األول‪ :‬أن يكون مع هذا املجتهد املخطئ أصل اإليامن باهلل‬
‫ورسوله ‪.‬‬
‫أما من مل يؤمن أص ً‬
‫ال فهو كافر‪ ،‬ال يقبل منه االعتذار باالجتهاد؛ لظهور أدلة‬
‫الرسالة وأعالم النبوة‪.‬‬
‫وألن العذر باخلطأ حكم رشعي خاص هبذه األمة كام دل عليه قوله‬
‫تعاىل‪ (:‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ )((( وقوله ‪« : ‬إن اهلل وضع عن أمتي‬
‫اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»(((‪.‬‬
‫فمن كان مؤمنًا باهلل مجلة وثبت إيامنه بيقني مل يزل ذلك عنه بالشك‪ ،‬بل ال يزول‬
‫إال بعد إقامة احلجة وإزالة الشبهة‪.‬‬
‫الضابط الثاين‪ :‬أن يكون ذا نية صادقة يف إرادة احلق والوصول إىل الصواب ‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الفقيه واملتفقه (‪ ،)65 ،64/2‬وجمموع الفتاوى (‪،213 ،216 ،142 ،123 ،207/19‬‬
‫و‪ ،125 ،124/13‬و‪ ،44 ،43/29‬و‪ ،)280 ،254 – 252 ،36 – 31/20‬ورشح الكوكب‬
‫املنري (‪.)491/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪ ،)256/20 ،493/12‬وطريق اهلجرتني (‪.)414 – 411‬‬
‫((( سورة البقرة‪. 286 :‬‬
‫((( رواه ابن ماجه يف سننه (‪ )659/1‬برقم (‪ ،)2045‬وصححه احلاكم يف املستدرك ووافقه الذهبي‬
‫(‪ ،)198/2‬وقال ابن كثري‪ :‬إسناده جيد‪ ،‬حتفة الطالب (‪.)271‬‬

‫‪48‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬حكم تبديع المجتهد‬

‫أما أهل اجلدال واملراء وأصحاب األغراض السيئة واملقاصد اخلبيثة فلكل‬
‫منهم ما نوى‪ ،‬واحلكم يف ذلك للظاهر‪ ،‬واهلل يتوىل الرسائر ‪.‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬أن يبذل املجتهد وسعه‪ ،‬ويستفرغ طاقته‪ ،‬ويتقي اهلل ما استطاع‪،‬‬
‫ثم إن أخطأ لعدم بلوغ احلجة‪ ،‬أو لوجود شبهة‪ ،‬أو ألجل تأويل سائغ‪ ،‬فهو معذور‬
‫ما مل يفرط‪.‬‬
‫أما إن فرط يف يشء من ذلك‪ ،‬فلم تبلغه احلجة بسبب تقصريه‪ ،‬أو بلغته لكنه‬
‫أعرض عنها لشبهة يعلم فسادها‪ ،‬أو تأول الدليل تأوي ً‬
‫ال ال يسوغ‪ ،‬فإنه واحلالة‬
‫كذلك ال ُيعذر‪ ،‬وعليه من اإلثم بقدر تفريطه ‪.‬‬
‫ومن األدلة عىل ما ذهب إليه سلف هذه األمة ما ييل‪:‬‬
‫‪ -1‬أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬كان رجل ممن كان قبلكم ييسء الظن بعمله‪ ،‬فقال‬
‫ألهله‪ :‬إذا أنا مت فخذوين‪ ،‬فذروين يف البحر يف يوم صائف‪ .‬ففعلوا به‪ .‬فجمعه‬
‫اهلل‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما محلك عىل الذي صنعت؟ قال‪ :‬ما محلني عليه إال خمافتك‪ ،‬فغفر‬
‫له»(((‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪« :‬فهذا الرجل ظن أن اهلل ال يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق‪ ،‬فظن‬
‫أنه ال يعيده إذا صار كذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد من إنكار قدرة اهلل تعاىل‪ ،‬وإنكار معاد األبدان وإن تفرقت‪ ،‬كفر‪،‬‬ ‫وكل‬
‫ال بذلك‪ ،‬ضا ً‬
‫ال يف هذا الظن‬ ‫لكنه كان مع إيامنه باهلل وإيامنه بأمره وخشيته منه جاه ً‬
‫خمطئًا‪ ،‬فغفر اهلل له ذلك»(((‪.‬‬
‫وعرف من األدلة املتكاثرة عىل اعتبار‬
‫‪ -2‬ما تقرر يف هذه الرشيعة املطهرة ُ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ )312/11‬برقم (‪.)6480‬‬


‫((( جمموع الفتاوى (‪.)409/11‬‬

‫‪49‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫املقاصد والنيات يف األحكام الرشعية والثواب والعقاب‪ ،‬ومنها‪ :‬قوله ‪« : ‬إنام‬


‫األعامل بالنيات‪ ،‬وإنام لكل امرئ ما نوى»(((‪.‬‬
‫‪ -3‬ما تقرر يف هذه الرشيعة املباركة واشتهر من األدلة عىل أن التكاليف‬
‫الرشعية مرشوطة باملمكن من العلم والقدرة؛ كقوله تعاىل‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜﯝ)(((‪ ،‬وقوله تعاىل‪( :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ )(((‪.‬‬

‫املسألة الثالثة‪ :‬هل يسمى املجتهد املخطئ يف باب البدعة مبتدع ًا؟‬
‫اجلواب‪ :‬أن هذا املجتهد الذي وقعت منه البدعة عىل وجه العذر ال يسمى‬
‫مبتدع ًا‪.‬‬
‫وإنام يتبني هذا اجلواب من خالل ثالث قواعد‪:‬‬
‫القاعدة األوىل‪ :‬أن احلكم عىل الشخص املعني بأنه مبتدع يتوقف عىل توفر‬
‫رشوط وانتفاء موانع‪ ،‬وهي ثالثة(((‪:‬‬
‫املانع األول‪ :‬اإلكراه‪ ،‬فيشرتط ـ يف احلكم عىل املعني بأنه مبتدع ـ أن يقع هذا‬
‫القول أو الفعل منه عن إرادة واختيار (((‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ )9/1‬برقم (‪.)1‬‬


‫((( سورة البقرة‪286 :‬‬
‫((( سورة الطالق‪. 7 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬منهاج السنة‪ 240/5 :‬وجمموع الفتاوى‪. 103 -102 ،42 -41 ،23/22 ،166 -165/35 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬اإلحكام لآلمدي‪ 154/1 :‬وجمموع الفتاوى‪ 344/10:‬والقواعد والفوائد األصولية البن‬
‫اللحام‪ 39 :‬ورشح الكوكب املنري‪ 509/1 :‬ومذكرة الشنقيطي‪. 32 :‬‬

‫‪50‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬حكم تبديع المجتهد‬

‫والدليل عىل ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬


‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)(((‪ ،‬وقوله ‪( : ‬إن اهلل وضع عن أمتي اخلطأ‬
‫والنسيان وما استكرهوا عليه) (((‪.‬‬
‫ويشرتط يف اإلكراه(((‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون املك ِره قادر ًا عىل حتقيق ما هدد به؛ إما لوالية أو تغلب‪.‬‬
‫املكره عاجز ًا عن الدفع‪ ،‬فإن قدر بمقاومة أو استغاثة أو فرار‬‫‪ .2‬أن يكون َ‬
‫ونحوه فلم يفعل مل يكن مكره ًا‪.‬‬
‫املكره نزول الوعيد به إن مل جيب املك ِره إىل ما طلبه‪. ‬‬ ‫‪ .3‬أن يغلب عىل ظن َ‬
‫‪ .4‬أن يكون األمر املك َره عليه مما يسترض به املك َره رضر ًا كثري ًا؛ كالقتل والرضب الشديد ‪.‬‬
‫املانع الثاين‪ :‬اجلهل‪ ،‬فيشرتط يف احلكم عىل املعني بأنه مبتدع إقامة احلجة عليه‬
‫حتى يعرف أن قوله هذا أو فعله خمالف للدليل الصحيح‪ ،‬وال ُيكتفى بمعرفة‬
‫احلجة‪ ،‬بل البد من فهمها فهام يد ِرك به خمالفته للحجة(((‪.‬‬
‫والدليل عىل ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪( :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)(((‪.‬‬
‫وقيام احلجة «خيتلف؛ باختالف األزمنة واألمكنة واألشخاص؛ فقد تقوم حجة‬
‫اهلل عىل الكفار يف زمان دون زمان‪ ،‬ويف بقعة وناحية دون أخرى‪ ،‬كام أهنا تقوم عىل‬
‫شخص دون آخر؛ إما لعدم عقله ومتييزه‪ ،‬كالصغري واملجنون‪ ،‬وإما لعدم فهمه‬
‫كالذي ال يفهم اخلطاب ومل حيرض ترمجان يرتجم له‪ ،‬فهذا بمنزلة األصم الذي ال‬

‫((( سورة النحل‪. 106 :‬‬


‫((( أخرجه ابن ماجه وصححه احلاكم‪ ،‬وقد تقدم يف املسألة الثانية من هذا املطلب ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني البن قدامة‪ 120/7 :‬والقواعد للحصني‪ 306/2 :‬واألشباه والنظائر للسيوطي‪.210-208 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ 41/22 ،493 ،466/12 :‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( سورة اإلرساء‪. 15 :‬‬

‫‪51‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫يسمع شيئا وال يتمكن من الفهم»((()‪.‬‬


‫املانع الثالث‪ :‬اخلطأ يف االجتهاد وهو التأويل‪ ،‬فيشرتط يف احلكم عىل املعني بأنه‬
‫مبتدع أن تقع منه البدعة عىل وجه املخالفة املذمومة ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬فال يلزم إذا كان القول كفر ًا أن يكفر كل من قاله مع اجلهل‬
‫والتأويل؛ فإن ثبوت الكفر يف حق الشخص املعني كثبوت الوعيد يف اآلخرة يف‬
‫حقه وذلك له رشوط وموانع كام بسطناه يف موضعه)((( ‪.‬‬
‫والدليل عىل ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ )((( ‪ ،‬وقوله ‪( : ‬إن اهلل وضع عن أمتي اخلطأ والنسيان) (((‪.‬‬
‫والفرق بني صحيح التأويل وباطله‪ :‬أن الصحيح ما وافق ما دلت عليه‬
‫النصوص وما جاءت به السنة وطابقها‪ ،‬والباطل ما خالف النصوص والسنة(((‪.‬‬
‫وذلك أن للتأويل الصحيح أربعة رشوط(((‪:‬‬
‫الرشط األول‪ :‬أن يكون اللفظ حمتم ً‬
‫ال للمعنى الذي تأوله املتأول يف لغة العرب‪.‬‬
‫الرشط الثاين‪ :‬إذا كان اللفظ حمتم ً‬
‫ال للمعنى الذي تأوله املتأول فيجب عليه‬
‫ٍ‬
‫معان‪ ،‬فتعني املعنى‬ ‫إقامة الدليل عىل تعني ذلك املعنى؛ ألن اللفظ قد تكون له‬
‫حيتاج إىل دليل‪.‬‬
‫الرشط الثالث‪ :‬إثبات صحة الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره‪،‬‬
‫فإن دليل مدعي احلقيقة والظاهر قائم‪ ،‬ال جيوز العدول عنه إال بدليل‬
‫((( طريق اهلجرتني‪.414 :‬‬
‫((( منهاج السنة‪240/5 :‬‬
‫((( سورة الطالق‪. 7 :‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجه وصححه احلاكم‪ ،‬وقد تقدم يف املسألة الثانية من هذا املطلب ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪ ،)21/6 ،67/3‬والصواعق املرسلة (‪.)187/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪ ،)360/6‬والصواعق املرسلة (‪ ،)288/1‬وبدائع الفوائد (‪.)205/4‬‬

‫‪52‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬حكم تبديع المجتهد‬

‫صارف يكون أقوى منه‪.‬‬


‫الرشط الرابع‪ :‬أن يسلم الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره عن معارض‪.‬‬

‫القاعدة الثانية‪ :‬التفريق بني البدعة واملبتدع ‪:‬‬


‫وذلك أنه ال يلزم من احلكم عىل اليشء بأنه بدعة أن حيكم عىل مرتكبه أنه‬
‫مبتدع‪ ،‬بل إن مرتكب البدعة قد يكون جمتهد ًا معذور ًا‪.‬‬
‫وهذه القاعدة تستند إىل قاعدة أخرى وتنتمي إليها‪ ،‬وهي‪ :‬التفريق بني احلكم‬
‫املطلق الواقع عىل األقوال واألفعال وبني احلكم املعني الواقع عىل األشخاص؛ إذ‬
‫ال تالزم يف احلكم بني املقالة والقائل‪ ،‬وال بني الفعل والفاعل‪ ،‬وهذا أصل مطرد‬
‫يف احلكم بالتكفري والتبديع والتفسيق(((‪.‬‬
‫وبيان ذلك‪ :‬أن احلكم عىل املقالة أو الفعل بأنه بدعة حكم عام مطلق ال يلزم‬
‫منه احلكم عىل الشخص املعني‪ ،‬الذي صدرت عنه املقالة أو الفعل بأنه مبتدع‪. ‬‬
‫فال تالزم البتة بني احلكم عىل البدعة واحلكم عىل املبتدع؛ فقد يعذر املبتدع وإن‬
‫ال عىل صحة بدعته ‪.‬‬ ‫عظمت بدعته‪ ،‬كام أن عذره هذا ال يكون دلي ً‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬إن إثمها [أي‪ :‬البدعة] قد يزول عن بعض األشخاص ملعارض‬
‫من اجتهاد أو غريه) (((‪.‬‬
‫ولعل بدعة صالة الرغائب تعد مثا ً‬
‫ال واضح ًا؛ حيث ذهب إىل مرشوعيتها‬
‫وأهنا ليست من قبيل البدع املنكرة يف الرشع إمام من أئمة احلديث‪ ،‬وهو ابن‬
‫الصالح(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ 346 -345/23 ،231 -230/3 :‬ورشح العقيدة الطحاوية‪.299-295 :‬‬
‫((( اقتضاء الرصاط املستقيم‪. 610/2 :‬‬
‫((( انظر ‪ :‬مساجلة علمية بني اإلمامني‪ :‬العز بن عبد السالم وابن الصالح ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫لكن مل يلزم من أخذه هبذه البدعة وانتصاره هلا أن يوصف هذا اإلمام بأنه‬
‫مبتدع‪ ،‬بل هو جمتهد معذور إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫كام أن كونه جمتهد ًا معذور ًا مل يلزم منه تصحيح بدعته وقبوهلا‪ ،‬أو اعتبار خمالفته‬
‫فيها مانع ًا من إطالق لفظ البدعة عليها‪.‬‬
‫وذلك أن العربة إنام هي باملأخذ والدليل‪ ،‬وقد ظهر أن مستنده يف حكمه عىل‬
‫رشعية صالة الرغائب ومأخذه بعيد‪ ،‬ال سيام أن الدليل عىل بدعية هذه الصالة‬
‫قوي ظاهر‪ ،‬ال حيتمل اخلالف‪ ،‬وال يسوغ يف مثله االجتهاد‪.‬‬
‫وحذا ِر يف هذا املقام من االلتفات والنظر إىل شخص املجتهد ومكانته وجاللة‬
‫قدره وسعة علمه‪ ،‬بل املتعني االلتفات والنظر إىل مأخذ هذا املجتهد ودليله‪،‬‬
‫واعتبار هذا املأخذ من جهة ما فيه من قوة وضعف‪ ،‬وقرب و ُبعد‪ ،‬وظهور وخفاء‪،‬‬
‫واهلل وحده املستعان‪.‬‬
‫قال تاج الدين السبكي‪( :‬وهناك تنبيه عىل أنه ال نظر إىل القائلني من املجتهدين‪،‬‬
‫بل إىل أقواهلم ومداركها قوة وضعف ًا‪.‬‬
‫ونعني بالقوة ما يوجب وقوف الذهن عندها وتعلق ذي الفطنة بسبيلها‬
‫النتهاض احلجة هبا؛ فإن احلجة لو انتهضت هبا ملا كنا خمالفني هلا ‪.‬‬
‫إذا عرفت هذا‪ :‬فمن قوي مدركه اعتد بخالفه‪ ،‬وإن كانت مرتبته يف االجتهاد‬
‫دون مرتبة خمالفه‪ ،‬ومن ضعف مدركه مل يعتد بخالفه‪ ،‬وإن كانت مرتبته أرفع ‪.‬‬
‫وربام قوي مدرك بعضهم يف بعض املسائل دون بعض‪ ،‬بل هذا ال خيلو عنه‬
‫جمتهد) (((‪.‬‬

‫((( األشباه والنظائر‪. 128/1 :‬‬

‫‪54‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬حكم تبديع المجتهد‬

‫وقال ابن تيمية‪( :‬وليس ألحد أن حيتج بقول أحد يف مسائل النزاع‪ ،‬وإنام احلجة‬
‫النص واإلمجاع ودليل مستنبط من ذلك؛ تقدر مقدماته باألدلة الرشعية‪ ،‬ال بأقوال‬
‫بعض العلامء‪ ،‬فإن أقوال العلامء حيتج هلا باألدلة الرشعية‪ ،‬ال حيتج هبا عىل األدلة‬
‫الرشعية)(((‪.‬‬

‫القاعدة الثالثة‪ :‬أن الفرق بني املجتهد املخطئ املعذور واآلخر املبتدع اآلثم يظهر‬

‫من وجهني(((‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬يف الرسوخ يف العلم‪:‬‬
‫وذلك أن املعذور اجتمع له العلم بأدلة الرشيعة اجلزئية والكلية‪ ،‬واآلخر عنده‬
‫معرفة ببعض األدلة لكنه جاهل بقواعد الرشع‪ ،‬وألجل ذلك فهو يتبع املتشابه ‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬يف ابتغاء احلق واتباع الدليل‪:‬‬
‫وذلك أن املعذور متى ظهر له احلق أذعن له وأقر به‪ ،‬أما اآلخر فإنه متبع هلواه‪،‬‬
‫وألجل ذلك فإنه ال يرجع عن قوله وإن خالف الرشع ‪.‬‬
‫واحلاصل أن مرتكب البدعة ال خيلو من ثالث أحوال(((‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يكون من أهل النظر واالجتهاد‪ ،‬فهذا معذور ـ مهام بلغت بدعته ـ إذا‬
‫توفرت يف اجتهاده الرشوط املذكورة سابق ًا‪.‬‬
‫وهذا املجتهد إن وقع منه االبتداع فال يقع إال فلتة‪.‬‬
‫وهذه تسمى زلة‪ ،‬وهو معذور ـ مهام بلغت بدعته ـ ثم إن هؤالء يرجعون إىل‬
‫احلق متى تبني هلم‪.‬‬

‫((( الفتاوى الكربى‪. 449/1 :‬‬


‫((( انظر‪ :‬االعتصام‪. 149 -148/1 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬االعتصام‪. 162 -146/1 :‬‬

‫‪55‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫‪ )2‬أن يكون منسوب ًا إىل أهل العلم‪ ،‬لكنه ـ عند التدقيق ـ جاهل بقواعد الرشع‪،‬‬
‫بل غاية ما لديه إنام هو اتباع اهلوى وحب الرئاسة‪ ،‬فهذا ظاهر أنه آثم يف ابتداعه‪. ‬‬
‫ال‪ ،‬قد قلد غريه يف هذه البدعة‪ ،‬فهذا قد يعذر‪ ،‬وقد اليعذر‪،‬‬‫‪ )3‬أن يكون جاه ً‬
‫وذلك حسب حاله وقدرته‪.‬‬
‫وبذلك يمكن مما مىض وضع ضابط ملن يطلق عليهم حقيقة لفظ (أهل األهواء)‬
‫و (أهل البدع)(((‪.‬‬
‫وهو‪ :‬أن كل من انتصب لالبتداع ولرتجيحه عىل غريه‪ ،‬وقدَّ م رشيعة‬
‫اهلوى باالستنباط والنرص هلا‪ ،‬واالستدالل ـ حسب زعمه ـ عىل صحتها؛‬
‫فهذا هو املبتدع اآلثم‪.‬‬
‫وعالمة من هذا شأنه‪ :‬أن يرد كل ما خيالف مذهبه‪ ،‬ويتعصب ملا هو عليه غري‬
‫ملتفت إىل غريه‪ ،‬وهو عني اتباع اهلوى‪. ‬‬
‫وخيرج بذلك‪ :‬أهل الغفلة عن نصب األدلة‪ ،‬السالكون طريق التقليد‪،‬‬
‫من غري نظر‪.‬‬
‫اللهم إال إن كان هؤالء املقلدون جيرون يف تقليدهم لغريهم عىل وجه التعصب‬
‫وترك االستبصار‪ ،‬فمثل هذا يعد استدال ً‬
‫ال يف اجلملة من حيث إنه جعل عمدته اتباع‬
‫اهلوى؛ كمن يستدل عىل صحة بدعته بعمل الشيوخ ومن يشار إليه بالصالح‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬االعتصام‪. 165-162/1 :‬‬

‫‪56‬‬
‫المطلب السادس‬
‫القواعد األصولية‬
‫والفقهية ذات الصلة‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫املطلب السادس‬

‫القواعد األصولية والفقهية ذات الصلة‬


‫وهي أربع قواعد‪:‬‬
‫القاعدة األوىل‪ :‬ال إنكار يف مسائل االجتهاد‪.‬‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬كل جمتهد مأجور‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة‪ :‬اخلروج من اخلالف مستحب‪.‬‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬ال اجتهاد مع النص‪.‬‬
‫*****‬

‫القاعدة األوىل‪ :‬ال إنكار يف مسائل االجتهاد ‪:‬‬


‫معنى القاعدة‪ :‬أن املسائل االجتهادية ال يسوغ فيها اإلنكار عىل أحد املجتهدين؛‬
‫إذ كل قول حيتمل أن يكون هو الصواب‪.‬‬
‫وقد ُسئل ابن تيمية عمن يقلد بعض العلامء يف مسائل االجتهاد فهل ينكر عليه‬
‫أم هيجر؟ وكذلك من يعمل بأحد القولني؟‬
‫فأجاب‪( :‬احلمد هلل‪ ،‬مسائل االجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلامء مل ينكر‬
‫عليه ومل هيجر‪ ،‬ومن عمل بأحد القولني مل ينكر عليه‪ ،‬وإذا كان يف املسألة قوالن‪:‬‬
‫فإن كان اإلنسان يظهر له رجحان أحد القولني عمل به وإال قلد بعض العلامء‬
‫الذين يعتمد عليهم يف بيان أرجح القولني‪ ،‬واهلل أعلم) (((‪.‬‬
‫ومفهوم هذه القاعدة أن اإلنكار عىل املخالف إنام خيتص بام عدا مسائل‬
‫االجتهاد‪ ،‬وهي تلك املسائل التي ورد فيها نص قاطع‪ ،‬أو حصل فيها إمجاع‪.‬‬

‫((( جمموع الفتاوى‪. 159/1 :‬‬

‫‪58‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬القواعد األصولية والفقهية ذات الصلة‬

‫فمن خالف نص ًا أو إمجاع ًا تعني اإلنكار عليه‪ ،‬بحسب درجة املخالفة ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬فإذا كان القول خيالف سنة أو إمجاع ًا قدي ًام وجب إنكاره‬
‫وفاق ًا) (((‪.‬‬
‫وقريب من هذه القاعدة‪ :‬قوهلم‪( :‬ال ينكر املختلف فيه‪ ،‬وإنام ينكر املجمع‬
‫عليه) (((‪.‬‬
‫يقول النووي‪« :‬إنام ينكرون ما أمجع عليه‪ ،‬أما املختلف فيه فال إنكار فيه؛ ألنه‬
‫عىل أحد املذهبني‪ :‬كل جمتهد مصيب‪ ،‬وهذا هو املختار عند كثريين من املحققني‬
‫أو أكثرهم‪ ،‬وعىل املذهب اآلخر املصيب واحد واملخطئ غري متعني لنا واإلثم‬
‫مرفوع عنه) (((‪.‬‬
‫وها هنا البد من التنبه إىل أن أهل العلم إنام يريدون املسائل االجتهادية بتلك‬
‫املسائل املختلف فيها التي ال يسوغ اإلنكار فيها‪ ،‬وليس مرادهم أي اختالف‪،‬‬
‫وذلك أن املخالفة ـ كام تقدم ـ قد تقع يف مسألة اجتهادية‪ ،‬فهذه ال إنكار فيها‪ ،‬وقد‬
‫تقع يف مسألة منصوصة أو جممع عليها‪ ،‬فهذه يتعني فيها اإلنكار ‪.‬‬
‫ويف ذلك يقول الزركيش‪( :‬اإلنكار من ِ‬
‫املنكر إنام يكون فيام اج ُتمع عليه‪ ،‬فأما‬
‫املختلف فيه فال إنكار فيه؛ ألن كل جمتهد مصيب‪ ،‬أو املصيب واحد وال نعلمه ‪.‬‬
‫ومل يزل اخلالف بني السلف يف الفروع‪ ،‬وال ُي ِ‬
‫نكر أحدٌ عىل غريه جمت ََهد ًا فيه‪،‬‬
‫وإنام ينكرون ما خالف نص ًا أو إمجاع ًا قطعي ًا أو قياس ًا جلي ًا‪ ،‬وهذا إذا كان الفاعل‬
‫ال يرى حتريمه‪ ،‬فإن كان يراه فاألصح اإلنكار)((( ‪.‬‬

‫((( الفتاوى الكربى‪. 92/6 :‬‬


‫((( انظر ‪ :‬األشباه والنظائر للسيوطي‪. 158 :‬‬
‫((( رشح النووي عىل صحيح مسلم‪. 23/2 :‬‬
‫((( املنثور‪.140 / 2 :‬‬

‫‪59‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫وقد َّنبه ابن تيمية إىل اللبس احلاصل بني مسائل اخلالف ومسائل االجتهاد‬
‫فقال‪( :‬وقوهلم‪ :‬مسائل اخلالف ال إنكار فيها ليس بصحيح؛ فإن اإلنكار إما أن‬
‫يتوجه إىل القول باحلكم أو العمل‪.‬‬
‫أما األول فإذا كان القول خيالف سنة أو إمجاع ًا قدي ًام وجب إنكاره وفاق ًا‪.‬‬
‫نكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول املصيب واحد‪،‬‬ ‫وإن مل يكن كذلك فإنه ُي َ‬
‫وهم عامة السلف والفقهاء‪.‬‬
‫وأما العمل فإذا كان عىل خالف سنة أو إمجاع وجب إنكاره أيض ًا بحسب‬
‫درجات اإلنكار‪ ،‬كام ذكرناه من حديث شارب النبيذ املختلف فيه‪ ،‬وكام ينقض‬
‫حكم احلاكم إذا خالف سنة‪ ،‬وإن كان قد اتبع بعض العلامء‪.‬‬
‫وأما إذا مل يكن يف املسألة سنة وال إمجاع ولالجتهاد فيها مساغ ُي َ‬
‫نكر عىل من‬
‫عمل هبا جمتهد ًا أو مقلد ًا‪.‬‬
‫وإنام دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل اخلالف هي مسائل‬
‫االجتهاد‪ ،‬كام اعتقد ذلك طوائف من الناس‪.‬‬
‫والصواب الذي عليه األئمة أن مسائل االجتهاد مل يكن فيها دليل جيب العمل‬
‫به وجوب ًا ظاهر ًا مثل حديث صحيح ال معارض من جنسه فيسوغ له ‪ -‬إذا عدم‬
‫ذلك فيها ‪ -‬االجتهاد لتعارض األدلة املتقاربة أو خلفاء األدلة فيها وليس يف ذكر‬
‫كمن املسألة قطعية طعن عىل من خالفها من املجتهدين كسائر املسائل التي اختلف‬
‫فيها السلف وقد تيقنا صحة أحد القولني فيها مثل‪ :‬كون احلامل املتوىف عنها تعتد‬
‫بوضع احلمل‪ ،‬وإن اجلامع املجرد عن إنزال يوجب الغسل‪ ،‬وإن ربا الفضل واملتعة‬
‫حرام‪ ،‬وإن النبيذ حرام‪ ،‬وإن السنة يف الركوع األخذ بالركب‪ ،‬وإن دية األصابع‬
‫سواء‪ ،‬وإن يد السارق تقطع يف ثالثة دراهم ربع دينار‪ ،‬وإن البائع أحق بسلعته‬

‫‪60‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬القواعد األصولية والفقهية ذات الصلة‬

‫إذا أفلس املشرتي‪ ،‬وإن املسلم ال يقتل بالكافر‪ ،‬وإن احلاج يلبي حتى يرمي مجرة‬
‫العقبة‪ ،‬وإن التيمم يكفي فيه رضبة واحدة إىل الكوعني‪ ،‬وإن املسح عىل اخلفني‬
‫جائز حرض ًا وسفر ًا إىل غري ذلك مما ال يكاد حيىص) (((‪.‬‬
‫وهبذا يظهر أن قاعدة ال إنكار يف مسائل االجتهاد أعم من قاعدة ال تبديع يف‬
‫مسائل االجتهاد؛ حيث إن التبديع نوع من أنواع اإلنكار‪ ،‬وذلك أن اإلنكار مراتب‬
‫ودرجات‪ ،‬أغلظها تكفري املخالف‪ ،‬ودون ذلك تبديعه وتأثيمه وتفسيقه‪.‬‬
‫رس هذه القاعدة وتلك يعود إىل حسن التفريق بني ما يسوغ فيه االجتهاد‬
‫إال أن َّ‬
‫وما ال يسوغ فيه‪.‬‬

‫القاعدة الثانية‪ :‬كل جمتهد مأجور(((‪:‬‬


‫قال اآلمدي‪( :‬اتفق أهل احلق من املسلمني عىل أن اإلثم حمطوط عن املجتهدين‬
‫يف األحكام الرشعية) (((‪.‬‬
‫وسيأيت يف املطلب اخلامس بيان من هو املجتهد الذي يعذر‪.‬‬
‫وقد استدل اآلمدي هلذه القاعدة بصنيع الصحابة ريض اهلل عنهم حيث قال‪:‬‬
‫(وحجة أهل احلق يف ذلك‪ :‬ما ُنقل نق ً‬
‫ال متواتر ًا ال يدخله ريبة وال شك‪،‬‬
‫وعلم عل ًام رضوري ًا من اختالف الصحابة فيام بينهم يف املسائل الفقهية ‪ ...‬مع‬
‫ُ‬
‫استمرارهم عىل االختالف إىل انقراض عرصهم‪ ،‬ومل يصدر من أحد منهم نكري‬
‫وال تأثيم ألحد‪ ،‬ال عىل سبيل اإلهبام وال التعيني‪ ،‬مع علمنا بأنه لو خالف أحد يف‬

‫((( الفتاوى الكربى‪ 92/6 :‬وانظر‪ :‬إعالم املوقعني (‪. )289 ،288/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفقيه واملتفقه (‪ ،)65 ،64/2‬وجمموع الفتاوى (‪،213 ،216 ،142 ،123 ،207/19‬‬
‫و‪ ،125 ،124/13‬و‪ ،44 ،43/29‬و‪ ،)280 ،254 – 252 ،36 – 31/20‬ورشح الكوكب‬
‫املنري (‪.)491/4‬‬
‫((( اإلحكام لآلمدي‪. 489/2 :‬‬

‫‪61‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫وجوب العبادات اخلمس وحتريم الزنى والقتل لبادروا إىل ختطئته وتأثيمه‪.‬‬
‫فلو كانت املسائل االجتهادية نازلة منزلة هذه املسائل يف كوهنا قطعية ومأثوم ًا‬
‫عىل املخالفة فيها لبالغوا يف اإلنكار والتأثيم‪ ،‬حسب مبالغتهم يف اإلنكار عىل من‬
‫خالف يف وجوب العبادات اخلمس‪ ،‬ويف تأثيمه؛ الستحالة تواطئهم عىل اخلطأ‪،‬‬
‫وداللة النصوص النازلة منزلة التواتر عىل عصمتهم عنه)(((‪.‬‬
‫وتظهر عالقة هذه القاعدة بمسألة امتناع التبديع يف مسائل االجتهاد من جهة‬
‫أن هذه القاعدة تثبت أن املجتهد مأجور عىل اجتهاده يف مسائل االجتهاد‪ ،‬ويلزم‬
‫من ذلك امتناع تبديعه وتأثيمه‪ ،‬حيث إن التبديع تأثيم للمجتهد‪ ،‬فال يسوغ أن‬
‫يكون املجتهد مأجور ًا مأزور ًا يف وقت واحد من جهة واحدة‪.‬‬

‫القاعدة الثالثة‪ :‬اخلروج من اخلالف مستحب(((‪:‬‬


‫معنى هذه القاعدة‪ :‬أنه يستحب اخلروج من اخلالف حذر ًا من كون الصواب‬
‫مع اخلصم‪ ،‬وذلك متى ما كانت األدلة يف املسألة متقاربة؛ بحيث ال يبعد قول‬
‫املخالف كل البعد‪.‬‬
‫أما إن كان مأخذ اخلالف يف غاية الضعف فال نظر إليه‪.‬‬
‫وهلذه املسألة فروع كثرية جد ًا ال تكاد حتىص‪ ،‬فمنها‪ :‬استحباب الدلك يف‬
‫الطهارة‪ ،‬واستيعاب الرأس باملسح‪ ،‬والرتتيب يف قضاء الصلوات‪ ،‬وترك صالة‬
‫األداء خلف القضاء‪ ،‬وعكسه‪ ،‬والقرص يف سفر يبلغ ثالث مراحل‪ ،‬وتركه فيام‬
‫دون ذلك‪ ،‬واجتناب استقبال القبلة واستدبارها مع الساتر‪ ،‬وقطع املتيمم الصالة‬
‫إذا رأى املاء؛ خروج ًا من خالف من أوجب اجلميع‪.‬‬

‫((( املصدر السابق ‪.‬‬


‫((( انظر‪ :‬األشباه والنظائر للسيوطي‪ 136 :‬واملنثور‪. 129/2 :‬‬

‫‪62‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬القواعد األصولية والفقهية ذات الصلة‬

‫وكراهة احليل يف باب الربا‪.‬‬


‫حرمه‪.‬‬ ‫ونكاح املحلل؛ خروج ًا من خالف َمن َّ‬
‫وكراهة صالة املنفرد خلف الصف؛ خروج ًا من خالف من أبطلها ‪.‬‬
‫تنبيه ‪ :‬ملراعاة اخلالف رشوط‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أال توقع مراعاته يف خالف آخر‪ ،‬ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من‬
‫وصله‪ ،‬ومل يراع خالف أيب حنيفة ألن من العلامء من ال جييز الوصل ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أال خيالف سنة ثابتة؛ ومن ثم سن رفع اليدين يف الصالة ‪ ،‬ومل يبال برأي‬
‫من قال بإبطاله الصالة من احلنفية ؛ ألنه ثابت عن النبي ‪ ‬من رواية نحو مخسني‬
‫صحابي ًا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يقوى مدركه؛ بحيث ال يعد هفوة‪.‬‬
‫ثم كان الصوم يف السفر أفضل ملن قوي عليه‪ ،‬دون اعتبار خلالف َمن قال‪:‬‬
‫ومن َّ‬
‫إنه ال يصح ‪.‬‬
‫وعالقة هذه القاعدة بمسألة تبديع املجتهد واضحة جد ًا؛ حيث إن هذه القاعدة‬
‫تقرر استحباب األخذ بالقول املرجوح يف املسائل االجتهادية خشية أن يكون هو‬
‫الصواب‪ ،‬فمن باب أوىل أال يسوغ إنكار هذا القول املرجوح والتشنيع عليه فض ً‬
‫ال‬
‫عن احلكم بتبديعه وتأثيم قائله ‪.‬‬

‫القاعدة الرابعة‪ :‬ال اجتهاد مع النص((( ‪:‬‬


‫معنى القاعدة‪ :‬أن جواز االجتهاد يف أي مسألة يشرتط له خلو هذه املسألة عن‬
‫النص‪ ،‬فمتى ما وجد النص فاملتعني إنام هو املصري إىل هذا النص واألخذ به ‪.‬‬
‫واملراد بالنص ها هنا إنام هو النص القاطع الذي ال احتامل يف ثبوته أو داللته‪،‬‬
‫((( انظر‪ :‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،55/2 :‬والفقيه واملتفقه‪ ، 206/1 :‬وإعالم املوقعني‪.279/2 :‬‬

‫‪63‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫ومثل النص يف ذلك وجود اإلمجاع؛ فإن وجود اإلمجاع يف املسألة يمنع االجتهاد‬
‫فيها‪. ‬‬
‫وقد كان منهج الصحابة ريض اهلل عنهم النظر يف الكتاب ثم السنة ثم اإلمجاع‬
‫ثم االجتهاد ‪ .‬فمن ذلك(((‪:‬‬
‫كتاب عمر ـ ريض اهلل عنه ـ إىل أيب موسى األشعري ـ ريض اهلل عنه ـ ‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫"اعرف األشباه واألمثال وقس األمور"‪.‬‬
‫وملا َب َع َث عمر ـ ريض اهلل عنه ـ رش ًحيا عىل قضاء الكوفة قال له‪ :‬انظر ما تبني لك‬
‫يف كتاب اهلل فال تسأل عنه أحدً ا‪ ،‬وما مل يتبني لك يف كتاب اهلل فاتبع فيه سنة رسول‬
‫اهلل ‪ ،‬وما مل يتبني لك يف السنة فاجتهد رأيك‪.‬‬
‫وقال عبد اهلل بن مسعود ـ ريض اهلل عنه ـ‪« :‬من عرض له منكم قضاء فليقض‬
‫ِ‬
‫فليقض بام قىض فيه نبيه ‪ ، ‬فإن جاء أمر‬ ‫بام يف كتاب اهلل‪ ،‬فإن مل يكن يف كتاب اهلل‬
‫ليس يف كتاب اهلل ومل يقض فيه نبيه ‪ ‬فليقض بام قىض به الصاحلون‪ ،‬فإن جاء‬
‫أمر ليس يف كتاب اهلل ومل يقض به نبيه ومل ِ‬
‫يقض به الصاحلون فليجتهد رأيه‪ ،‬فإن مل‬
‫حيسن فليقم وال يستحي»‪.‬‬
‫وكان ابن عباس ـ ريض اهلل عنهام ـ إذا سئل عن يشء فإن كان يف كتاب اهلل قال‬
‫به‪ ،‬فإن مل يكن يف كتاب اهلل وكان عن رسول اهلل ‪ ‬قال به‪ ،‬فإن مل يكن يف كتاب‬
‫اهلل وال عن رسول اهلل ‪ ‬وكان عن أيب بكر وعمر قال به‪ ،‬فإن مل يكن يف كتاب اهلل‬
‫وال عن رسول اهلل ‪ ‬وال عن أيب بكر وعمر اجتهد رأيه‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬وهذه اآلثار ثابتة عن عمر‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وهم‬

‫((( انظر هذه اآلثار يف‪ :‬جامع بيان العلم وفضله (‪ ،)58 – 56/2‬والفقيه واملتفقه (‪،)203 – 199/1‬‬
‫وجمموع الفتاوى (‪ ،)201 – 200/19‬وإعالم املوقعني (‪)64 – 61/1‬‬

‫‪64‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬القواعد األصولية والفقهية ذات الصلة‬

‫من أشهر الصحابة بالفتيا والقضاء) (((‪.‬‬


‫وقال ابن القيم عن كتاب عمر ـ ريض اهلل عنه ـ إىل أيب موسى ـ ريض اهلل عنه ـ‪:‬‬
‫(وهذا كتاب جليل تلقاه العلامء بالقبول) (((‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪« :‬ونحكم باإلمجاع ثم القياس‪ ،‬وهو أضعف من هذا‪ ،‬ولكنها‬
‫منزلة رضورة؛ ألنه ال حيل القياس واخلرب موجود‪ ،‬كام يكون التيمم طهارة يف‬
‫السفر عند اإلعواز من املاء‪ ،‬وال يكون طهارة إذا وجد املاء‪ ،‬إنام يكون طهارة يف‬
‫اإلعواز»(((‪.‬‬
‫وقال ابن عبد الرب‪« :‬باب اجتهاد الرأي عىل األصول عند عدم النصوص يف‬
‫حني نزول النازلة»(((‪.‬‬
‫وقال اخلطيب البغدادي ً‬
‫أيضا‪« :‬باب يف سقوط االجتهاد مع وجود النص»(((‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪« :‬فصل يف حتريم اإلفتاء واحلكم يف دين اهلل بام خيالف النصوص‪،‬‬
‫وسقوط االجتهاد والتقليد عند ظهور النص‪ ،‬وذكر إمجاع العلامء عىل ذلك»(((‪.‬‬
‫وأما إذا ُفقد النص القطعي يف ثبوته ويف داللته فيسوغ حينئذ االجتهاد‪ ،‬وقد‬
‫سبق بيان أن وجود النص الظني يف ثبوته أو الظني يف داللته من مواطن االجتهاد‪،‬‬
‫وذلك يف املطلب الرابع ‪.‬‬
‫وهذا ما دلت عليه القاعدة بمفهومها‪ ،‬وذلك أن االجتهاد يسوغ يف مواضع‬
‫ثالثة‪:‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪.201/19 :‬‬
‫((( إعالم املوقعني (‪.)86/1‬‬
‫((( الرسالة (‪ .)600 ،599‬وانظر‪ :‬إعالم املوقعني (‪.)67 ،32/1‬‬
‫((( جامع بيان العلم وفضله (‪.)55/2‬‬
‫((( الفقيه واملتفقه (‪.)206/1‬‬
‫((( إعالم املوقعني (‪.)279/2‬‬

‫‪65‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫ال‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫دل عليه حديث معاذ‬ ‫املوضع األول‪ :‬إذا مل يوجد يف املسألة نص أص ً‬
‫ـ ريض اهلل عنه ـ املشهور ـ وقد تقدم ـ حيث جعل االجتهاد مرتبة متأخرة إذا مل‬
‫يوجد نص يف كتاب وال سنة‪.‬‬
‫املوضع الثاين‪ :‬إذا ُوجد يف املسألة نص‪ ،‬إال أن ثبوته غري قاطع ‪.‬‬
‫املوضع الثالث‪ :‬إذا ُوجد يف املسألة نص‪ ،‬إال أن داللته مل تكن قاطعة‪ ،‬بل هي‬
‫داللة ظنية‪.‬‬
‫وهبذا يتبني لنا أن املسائل نوعان‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬مسائل ال جمال فيها لالجتهاد‪ ،‬وهي تلك املسائل التي ورد فيها‬
‫نص قاطع أو إمجاع ثابت‪.‬‬
‫فاملتعني يف هذا النوع من املسائل اتباع النص واإلمجاع‪ ،‬ويرتتب عىل ذلك‬
‫مرشوعية اإلنكار عىل خمالف النص واإلمجاع بحسب درجات املخالفة ‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬مسائل يسوغ فيها االجتهاد‪ ،‬وهي تلك املسائل التي ال يوجد فيها‬
‫نص قاطع أو إمجاع‪.‬‬
‫فاملتعني يف هذا النوع من املسائل االجتهاد يف أقرب األقوال إىل الصواب‪،‬‬
‫ويرتتب عىل ذلك أنه ال إنكار فيها عىل من أخذ بأي قول من األقوال الواردة ‪.‬‬
‫واحلاصل أن قاعدة‪( :‬ال اجتهاد مع النص) قد تضمنت هذين النوعني‪:‬‬
‫إذ دلت بمنطوقها الرصيح عىل أن وجود النص مانع من االجتهاد‪ ،‬ودلت‬
‫مسوغ لالجتهاد‪.‬‬
‫بمفهومها عىل أن انتفاء النص ِّ‬
‫فكام أن وجود النص مانع من االجتهاد فإن وقوع االجتهاد مانع من التبديع‬
‫واإلنكار‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الخاتمة‬

‫الخــاتمة‬

‫اخلامتة‬
‫احلمد هلل الذي يرس إمتام هذا البحث‪ ،‬فله احلمد سبحانه أو ً‬
‫ال وآخر ًا ‪.‬‬
‫ثم يطيب يل يف هذه اخلامتة أن أستجمع أطراف هذا البحث‪ ،‬وذلك يف ثامين‬
‫فقرات‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬ضابط املسألة االجتهادية أال يوجد فيها إمجاع أو نص قاطع‪ ،‬وإنام يكون‬
‫ال‪ ،‬قاب ً‬
‫ال للتأويل ‪.‬‬ ‫النص الوارد فيها ـ إن وجد ـ نص ًا ظني ًا‪ ،‬حمتم ً‬
‫ثاني ًا‪ :‬االجتهاد والتبديع حكامن متقابالن ال جيتمعان ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫فمتى ثبت يف مسألة من املسائل كوهنا مسألة اجتهادية فال يصح إطالق وصف‬
‫البدعة عىل قول أحد املجتهدين فيها‪.‬‬
‫ويف املقابل‪ :‬متى ثبت يف مسألة ما كوهنا بدعة فإن هذه املسألة ـ واحلالة كذلك ـ‬
‫ال مدخل فيها لالجتهاد‪ ،‬بل هي من قبيل اخلالف املذموم‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬من األدلة عىل امتناع التبديع يف املسائل االجتهادية‪:‬أن االبتداع مذموم‬
‫كله‪ ،‬وأن البدعة يالزمها التأثيم بخالف االجتهاد فإنه يالزمه األجر والثواب‪.‬‬
‫ثم إن هناك فرق ًا مؤثر ًا بني االجتهاد والبدعة‪ ،‬وذلك أن البدعة ليس هلا ـ عند‬
‫التحقيق ـ حظ معترب من الدليل الرشعي‪ ،‬بخالف األقوال الواردة يف املسألة‬
‫االجتهادية؛ فإهنا مبنية عىل أصول رشعية معتربة‪.‬‬
‫ولذا فإن مسائل االبتداع حيصل بسببها التباين والتفرق بني املسلمني‪ ،‬وأما‬
‫املسائل االجتهادية فليست حمل افرتاق‪ ،‬وقد وقع اختالف بني الصحابة ـ ريض‬
‫اهلل عنهم ـ والتابعني‪ ،‬ومل ينسب املخالف منهم إىل البدعة ومفارقة اجلامعة‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬من مواطن االجتهاد يف باب البدعة أربعة فروع‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬احلديث ذو الثبوت املحتمل‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل ذلك‪ :‬األحاديث الواردة يف مرشوعية مسح الوجه باليدين‬
‫بعد الفراغ من الدعاء‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬املعنى ذو الداللة املحتملة‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل ذلك‪ :‬القول بمرشوعية وضع اليدين عىل الصدر حال القيام‬
‫بعد الركوع‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬اختالف التنوع يف صفات العبادات الواردة عن النبي ‪. ‬‬
‫ومن األمثلة عىل ذلك‪ :‬القنوت يف صالة الفجر‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫الخاتمة‬

‫الفرع الرابع‪ :‬باب سد الذرائع املفضية إىل البدعة‪.‬‬


‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬استخدام املسبحة يف التسبيح‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬امتناع التبديع يف باب االجتهاد ليس عىل إطالقه‪ ،‬بل هناك نوعان يف‬
‫باب االجتهاد يقع التبديع فيهام‪.‬‬
‫أوهلام‪ :‬تلك املسائل االجتهادية التي مل ُيلتزم فيها بالرشع ‪.‬‬
‫وثانيهام‪ :‬االجتهاد يف حتقيق املناط ‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬املجتهد هو الفقيه البالغ العاقل ذو ملكة يقتدر هبا عىل استنتاج األحكام‬
‫من مآخذها‪ ،‬ومذهب السلف من الصحابة ـ ريض اهلل عنهم ـ والتابعني أن هذا‬
‫املجتهد إذا كان خمطئ ًا للحق خمالف ًا للصواب فإنه معذور ‪.‬‬
‫وذلك برشط أن يكون مع هذا املجتهد املخطئ أصل اإليامن‪ ،‬وأن يكون ذا نية‬
‫صادقة يف إرادة احلق والوصول إىل الصواب‪ ،‬وأن يبذل وسعه ويستفرغ طاقته‬
‫ويتقي اهلل ما استطاع‪.‬‬
‫سابع ًا‪ :‬تسمية املجتهد املخطئ يف باب البدعة مبتدع ًا يتوقف عىل توفر رشوط‬
‫وانتفاء موانع‪ ،‬وهي ثالثة موانع‪ :‬اإلكراه واجلهل واخلطأ يف االجتهاد وهو‬
‫التأويل‪.‬‬
‫ويف هذا املقام البد من التفريق بني البدعة واملبتدع؛ فال يلزم من احلكم عىل‬
‫اليشء بأنه بدعة أن حيكم عىل مرتكبه أنه مبتدع‪ ،‬بل إن مرتكب البدعة قد يكون‬
‫جمتهد ًا معذور ًا‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬لقضية التبديع يف مسائل االجتهاد صلة بطائفة من القواعد األصولية‬
‫والفقهية‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫قاعدة‪( :‬ال إنكار يف مسائل االجتهاد) وقاعدة‪( :‬كل جمتهد مأجور) وقاعدة‪:‬‬
‫(اخلروج من اخلالف مستحب) وقاعدة‪( :‬ال اجتهاد مع النص)‪.‬‬
‫وذلك أن قاعدة‪( :‬ال إنكار يف مسائل االجتهاد) أعم من قاعدة ال تبديع يف‬
‫مسائل االجتهاد؛ حيث إن التبديع نوع من أنواع اإلنكار‪ ،‬وذلك أن اإلنكار‬
‫مراتب‪ ،‬أغلظها تكفري املخالف‪ ،‬ودون ذلك تبديعه وتأثيمه وتفسيقه‪.‬‬
‫وتظهر عالقة قاعدة‪( :‬كل جمتهد مأجور) بمسألة امتناع التبديع يف مسائل‬
‫االجتهاد يف أن املجتهد متى ثبت أنه مأجور عىل اجتهاده يف مسائل االجتهاد‪ ،‬فإنه‬
‫يلزم من ذلك امتناع تبديعه وتأثيمه‪ ،‬حيث إن التبديع تأثيم للمجتهد‪ ،‬وال يسوغ‬
‫أن يكون املجتهد مأجور ًا مأزور ًا يف وقت واحد من جهة واحدة‪.‬‬
‫وأما قاعدة‪( :‬اخلروج من اخلالف مستحب) فصلتها واضحة جد ًا بمسألة‬
‫التبديع يف مسائل االجتهاد؛ حيث إن هذه القاعدة تقرر استحباب األخذ بالقول‬
‫املرجوح يف املسائل االجتهادية خشية أن يكون هو الصواب‪ ،‬فمن باب أوىل أال‬
‫يسوغ إنكار هذا القول املرجوح والتشنيع عليه فض ً‬
‫ال عن احلكم بتبديعه وتأثيم‬
‫قائله‪.‬‬
‫مسوغ‬
‫أما قاعدة‪( :‬ال اجتهاد مع النص) فقد دلت بمفهومها عىل أن انتفاء النص ِّ‬
‫لالجتهاد‪ ،‬ودلت بمنطوقها الرصيح عىل أن وجود النص مانع من االجتهاد‪ ،‬ثم‬
‫إن االجتهاد مانع من التبديع واإلنكار‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬

‫ثبت المصادر‬
‫والمراجع‬

‫ثبت املصادر واملراجع‬


‫* االبتهاج بتخريج أحاديث املنهاج‪ :‬للغامري‪ ،‬املطبوع من منهاج الوصول‬
‫للبيضاوي‪ ،‬علق عليه سمري املجذوب‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬عامل الكتب (‪1405‬ﻫ)‪.‬‬
‫* اإلبداع يف مضار االبتداع للشيخ عيل حمفوظ‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫* اإلحكام يف أصول األحكام لآلمدي (ت ‪631‬هـ) تعليق عبد الرزاق‬
‫عفيفي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت (‪1402‬ﻫ)‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫* األشباه والنظائر لتاج الدين السبكي‪ ،‬حتقيق عادل عبد املوجود وعيل عوض‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة ‪ 1411‬هـ ‪.‬‬
‫* األشباه والنظائر للسيوطي (‪911‬هـ)‪ ،‬دار الباز ‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬ودار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1399 ،1‬هـ ‪.‬‬
‫* أضواء البيان يف تفسري القرآن بالقرآن‪ :‬للشيخ حممد األمني الشنقيطي‬
‫(ت‪1393‬ﻫ)‪ ،‬طبع وتوزيع اإلفتاء باململكة العربية السعودية (‪1403‬ﻫ)‪.‬‬
‫* االعتصام للشاطبي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ 1405 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* إعالم املوقعني البن القيم‪ ،‬تعليق طه سعد‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪1973 ،‬م‪. ‬‬
‫* اقتضاء الرصاط املستقيم‪ :‬البن تيمية (ت ‪728‬ﻫ) حتقيق د‪ .‬نارص العقل‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1404( ،‬ﻫ)‪.‬‬
‫* الباعث عىل إنكار البدع واحلوادث أليب شامة املقديس‪ ،‬تعليق عثامن عنرب‪ ،‬ط‬
‫‪ ، 1‬دار اهلدى‪ ،‬القاهرة‪ 1398 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* البحر املحيط يف أصول الفقه‪ :‬للزركيش (ت‪794‬ﻫ)‪ ،‬حترير ومراجعة‬
‫عبد القادر العاين وعمر األشقر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬وزارة األوقاف بالكويت‪،‬‬
‫(‪1413‬ﻫ)‪.‬‬
‫* بدائع الفوائد‪ :‬البن القيم (ت‪751‬ﻫ)‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫* البدعة أسباهبا ومضارها للشيخ حممود شلتوت‪ ،‬ضبط عيل حسن‪ ،‬ط ‪، 2‬‬
‫دار ابن اجلوزي ‪ ،‬الدمام ‪ 1413‬هـ ‪.‬‬
‫* البدع والنهي عنها البن وضاح القرطبي‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الصفا‪ ،‬القاهرة‪ 1411 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* بلوغ املرام البن حجر العسقالين‪ ،‬املطبوع مع رشحه سبل السالم للصنعاين‪،‬‬
‫صححه حممد اخلويل‪ ،‬مكتبة عاطف بجوار إدارة األزهر‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬

‫* حتفة الطالب بمعرفة أحاديث خمترص ابن احلاجب‪ :‬البن كثري (ت‪774‬ﻫ)‪،‬‬
‫حتقيق عبد الغني الكبييس‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار حراء بمكة املكرمة‪1406( ،‬ﻫ)‪.‬‬
‫* تلبيس إبليس البن اجلوزي ط ‪ ،2‬املنريية ‪ 1368‬هـ ‪ ،‬النارش دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫* التلخيص احلبري يف ختريج أحاديث الرافعي الكبري البن حجر العسقالين‪،‬‬
‫تعليق عبد اهلل هاشم اليامين‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ 1384 ،‬هـ‪.‬‬
‫* تنزيه الرشيعة املرفوعة عن األحاديث الشنيعة املوضوعة للكناين‪ ،‬حتقيق‬
‫عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد اهلل الصديق‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ 1401‬هـ ‪.‬‬
‫* جامع العلوم واحلكم يف رشح مخسني حديث ًا من جوامع الكلم البن رجب احلنبيل‪،‬‬
‫ت‪ :‬شعيب األرناؤوط وإبراهيم باجس‪ ،‬ط‪ ، 2‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ 1412 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* جامع بيان العلم وفضله‪ :‬البن عبد الرب‪( ،‬ت‪463‬ﻫ)‪ ،‬تصحيح إدارة الطباعة‬
‫املنريية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫* احلوادث والبدع للطرطويش‪ ،‬ضبط عيل حسن‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ابن اجلوزي‪،‬‬
‫الدمام‪ 1411 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* الرد عىل من أخلد إىل األرض وجهل أن االجتهاد يف كل عرص فرض‬
‫للسيوطي‪911( ،‬هـ)‪ ،‬ت‪:‬خليل امليس‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ 1403 ،1‬هـ ‪.‬‬
‫* الرسالة‪ :‬لإلمام الشافعي (ت‪204‬ﻫ)‪ ،‬حتقيق أمحد شاكر‪ ،‬املكتبة العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫* روضة الناظر وجنة املناظر‪ :‬البن قدامة (ت‪620‬ﻫ)‪ ،‬املطبوع مع نزهة اخلاطر‬
‫العاطر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬توزيع دار الباز بمكة املكرمة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫* زاد املعاد البن القيم‪ ،‬حتقيق شعيب وعبد القادر األرناؤوط‪ ،‬ط ‪ ، 3‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ 1402 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة وأثرها السيئ يف األمة‪ :‬لأللباين‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪ ،‬املكتبة اإلسالمية‪ ،‬عامن‪ ،‬ومكتبة املعارف‪ ،‬الرياض‪1406( ،‬ﻫ)‪.‬‬
‫* سنن الرتمذي‪ ،‬حتقيق الشيخ أمحد شاكر ومن معه‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب ‪.‬‬
‫* سنن أيب داود‪ ،‬تعليق حممد حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫* السنن الكربى للبيهقي (‪ 458‬هـ) ويف ذيله اجلوهر النقي‪ ،‬ط‪ ،1‬صورة عن‬
‫طبعة حيدر أباد باهلند‪ 1347 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* سنن ابن ماجه‪ ،‬حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي ‪.‬‬
‫* سنن النسائي‪ :‬لإلمام النسائي (ت‪303‬ﻫ)‪ ،‬معه رشح السيوطي وحاشية‬
‫السندي‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫* رشح العقيدة الطحاوية البن أيب العز احلنفي‪792( ،‬هـ)‪ ،‬حققه مجاعة من‬
‫العلامء وخرج أحاديثه األلباين‪ ،‬ط‪ ،5‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1399 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* رشح الكوكب املنري للفتوحي‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممد الزحييل ونزيه محاد‪ ،‬مركز‬
‫البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة املكرمة ‪.‬‬
‫* رشح ملعة االعتقاد للشيخ حممد العثيمني‪ ،‬ط‪ ،3‬مكتبة املعارف‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪ 1405‬هـ ‪.‬‬
‫* رشح النووي عىل صحيح مسلم‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪. ‬‬
‫* صحيح البخاري املطبوع مع فتح الباري برتقيم حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬

‫* صحيح اجلامع الصغري وزيادته “الفتح الكبري”‪ :‬لأللباين‪ ،‬أرشف عىل طبعه‬
‫زهري الشاويش‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪1406( ،‬ﻫ)‪.‬‬
‫* صحيح مسلم املطبوع مع رشح النووي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار إحياء الرتاث العريب ‪،‬‬
‫بريوت‪ 1392 ،‬هـ‪. ‬‬
‫* الصواعق املرسلة عىل اجلهمية واملعطلة‪ :‬البن القيم (ت‪751‬ﻫ) حتقيق د‪.‬‬
‫عيل الدخيل اهلل‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬الرياض (‪1408‬ﻫ)‪.‬‬
‫* صون املنطق والكالم عن فن املنطق والكالم‪ :‬للسيوطي (ت‪911‬ﻫ) تعليق‬
‫عيل سامي النشار‪ ،‬طبع معه خمترص السيوطي لكتاب «نصيحة أهل اإليامن يف الرد‬
‫عىل منطق اليونان» البن تيمية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫* طريق اهلجرتني وباب السعادتني‪ :‬البن القيم (ت‪751‬ﻫ)‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫* ظالل اجلنة يف ختريج السنة لأللباين املطبوع مع السنة البن أيب عاصم‪ ،‬ط‪، 3‬‬
‫املكتب اإلسالمي‪ 1413 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* الفتاوى الكربى البن تيمية‪ ،‬حتقيق وتعليق حممد ومصطفى عطا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الريان‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ودار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ 1408 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* فتح الباري رشح صحيح البخاري البن حجر‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪. ‬‬
‫* الفقيه واملتفقه للخطيب البغدادي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ 1400‬هـ‪. ‬‬
‫* القواعد لتقي الدين احلصني‪ 829( ،‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عبد الرمحن الشعالن‪،‬‬
‫مكتبة الرشد بالرياض‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬هـ ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫* قواعد األصول ومعاقد الفصول لصفي الدين احلنبيل‪ 739( ،‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬
‫د‪ .‬عيل احلكمي‪ ،‬من مطبوعات جامعة أم القرى بمكة املكرمة‪ ،‬ط‪ 1409 ،1‬هـ‪.‬‬
‫* القواعد والفوائد األصولية وما يتعلق هبا من األحكام الفرعية البن‬
‫اللحام ‪ 803( ،‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد حامد الفقي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪ 1403 ،1‬هـ ‪.‬‬
‫* لقاء الباب املفتوح مع الشيخ حممد العثيمني‪ ،‬املكتبة الشاملة‪ ،‬عىل احلاسب اآليل ‪.‬‬
‫* مذكرة أصول الفقه‪ :‬للشيخ حممد األمني الشنقيطي‪1393( ،‬ﻫ)‪ ،‬املكتبة‬
‫السلفية‪ ،‬باملدينة املنورة‪.‬‬
‫* جمموع الفتاوى البن تيمية‪ ،‬مجع ابن قاسم‪ ،‬مكتبة النهضة بمكة املكرمة‪،‬‬
‫‪ 1404‬هـ‪.‬‬
‫* جمموع فتاوى سامحة الشيخ ابن باز‪ ،‬إعداد د‪ .‬عبد اهلل الطيار‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الوطن بالرياض ‪.‬‬
‫* املحصول يف أصول الفقه للرازي‪606( ،‬هـ) ت‪ :‬د‪.‬طه جابر‪ ،‬ط‪، 1‬جامعة‬
‫اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية بالرياض‪ 1399 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* خمتار الصحاح للرازي‪ ،‬ت‪ :‬حممود خاطر ومحزة فتح اهلل‪ ،‬دار البصائر‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ 1405 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* خمترص ابن اللحام (‪ 803‬هـ) املسمى‪ :‬املخترص يف أصول الفقه‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬حممد‬
‫بقا‪ ،‬مركز البحث العلمي بجامعة امللك عبد العزيز‪ ،‬كلية الرشيعة‪ 1400 ،‬هـ ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬

‫* املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل‪ :‬البن بدران (ت‪1346‬ﻫ)‪ ،‬قدم له‬
‫أسامة الرفاعي‪ ،‬مؤسسة دار العلوم‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫* مسائل الفروع الواردة يف مصنفات العقيدة مجع ًا ودراسة‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز آل‬
‫عبد اللطيف‪ ،‬دار الوطن بالرياض‪ ،‬ط‪ 1423 ،1‬هـ ‪.‬‬
‫* مساجلة علمية بني اإلمامني اجلليلني العز بن عبد السالم ‪ ،‬وابن الصالح‬
‫حول صالة الغائب املبتدعة‪ ،‬حتقيق األلباين وحممد زهري الشاويش‪ ،‬ط ‪ ، 2‬املكتب‬
‫اإلسالمي‪ 1405 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* املستدرك عىل الصحيحني للحاكم‪ 405( ،‬هـ)‪ ،‬ويف ذيله تلخيص املستدرك‬
‫للذهبي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪.‬‬
‫* املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري للفيومي‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫* معارج القبول برشح سلم الوصول للشيخ حافظ احلكمي‪ ،‬ط‪ ، 3‬املطبعة‬
‫السلفية‪ ،‬القاهرة‪ 1404 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* املعترب يف ختريج أحاديث املنهاج واملخترص‪ :‬للزركيش‪( ،‬ت‪794‬ﻫ)‪ ،‬حتقيق‬
‫محدي السلفي‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار األرقم الكويت‪1404( ،‬ﻫ)‪.‬‬
‫* املغني البن قدامة (‪ 620‬هـ) مكتبة اجلمهورية العربية‪.‬‬
‫* املنثور يف القواعد للزركيش (‪ 794‬هـ) ت‪ :‬د‪ .‬تيسري فائق‪ ،‬مصورة عن‬
‫الطبعة األوىل‪ 1402 ،‬هـ ‪.‬‬
‫* منزلة السنة يف اإلسالم وبيان أنه ال يستغنى عنها بالقرآن للشيخ حممد نارص‬
‫الدين األلباين ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫* منهاج السنة النبوية البن تيمية (‪ 728‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممد رشاد سامل‪ ،‬مكتبة‬
‫ابن تيمية‪ ،‬بالقاهرة ‪ ،‬ط‪ 1409 ، 2‬هـ ‪.‬‬
‫* املوافقات للشاطبي‪ ،‬تعليق عبد اهلل دراز‪ ،‬ط‪ ،2‬املكتبة التجارية الكربى‬
‫مرص‪ 1395 ،‬هـ‪.‬‬
‫* النهاية يف غريب احلديث واألثر البن األثري‪ ،‬حتقيق حممود الطناحي وطاهر‬
‫الزواوي‪ ،‬أنصار السنة املحمدية‪ ،‬باكستان‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫فهرس‬
‫الموضوعات‬

‫‪79‬‬
‫حكم التبديع في مسائل االجتهاد‬

‫‪5‬‬ ‫املقدمة‪:‬‬
‫‪‬أمهية املوضوع‬ ‫ ‬
‫‪‬خطة البحث‬ ‫ ‬
‫‪7‬‬ ‫التمهيد‪:‬‬
‫‪8‬‬ ‫املسألة األوىل‪ :‬تعريف البدعة لغة واصطالح ًا‬
‫‪11‬‬ ‫املسألة الثانية‪ :‬تعريف االجتهاد لغة واصطالح ًا‬
‫‪11‬‬ ‫املسألة الثالثة‪ :‬ضابط املسائل االجتهادية‬
‫‪12‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬امتناع التبديع يف املسائل االجتهادية‬
‫‪21‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬األدلة عىل امتناع التبديع يف املسائل‬
‫‪22‬‬ ‫االجتهادية‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫الدليل األول‬
‫‪23‬‬ ‫الدليل الثاين‬
‫‪24‬‬ ‫الدليل الثالث‬
‫‪27‬‬ ‫الدليل الرابع‬
‫‪28‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬مواطن االجتهاد يف باب البدعة‪:‬‬
‫‪28‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬احلديث ذو الثبوت املحتمل‬
‫‪30‬‬ ‫الفرع الثاين‪ :‬املعنى ذو الداللة املحتملة‬
‫الفرع الثالث‪ :‬اختالف التنوع يف صفات العبادات الواردة‬
‫‪34‬‬ ‫عن النبي ‪‬‬
‫‪35‬‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬الذرائع املفضية إىل البدعة‬
‫‪39‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬متى يقع التبديع يف املسائل االجتهادية؟‬

‫‪80‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫‪40‬‬ ‫‪‬املسائل االجتهادية التي مل ُيلتزم فيها بالرشع‬ ‫ ‬


‫‪42‬‬ ‫‪‬االجتهاد يف حتقيق املناط‬ ‫ ‬
‫‪43‬‬ ‫املطلب اخلامس‪ :‬حكم تبديع املجتهد‪:‬‬
‫‪44‬‬ ‫املسألة األوىل‪ :‬حقيقة املجتهد‪:‬‬
‫‪44‬‬ ‫األمر األول‪ :‬التعريف باملجتهد‬
‫‪44‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬الرشوط التي جيب توفرها يف املجتهد‬
‫‪46‬‬ ‫املسألة الثانية‪ :‬حكم املجتهد من حيث التأثيم وعدمه‬
‫‪50‬‬ ‫املسألة الثالثة‪ :‬هل يسمى املجتهد املخطئ يف باب البدعة مبتدع ًا؟‬
‫القاعدة األوىل‪ :‬احلكم عىل الشخص املعني بأنه مبتدع‬
‫‪50‬‬ ‫يتوقف عىل توفر رشوط وانتفاء موانع‬
‫‪53‬‬ ‫القاعدة الثانية‪ :‬التفريق بني البدعة واملبتدع‬
‫القاعدة الثالثة‪ :‬الفرق بني املجتهد املخطئ املعذور واآلخر‬
‫‪55‬‬ ‫املبتدع اآلثم‬
‫‪57‬‬ ‫املطلب السادس‪ :‬القواعد األصولية والفقهية ذات الصلة‪:‬‬
‫‪58‬‬ ‫‪‬قاعدة‪( :‬ال إنكار يف مسائل االجتهاد)‬ ‫ ‬
‫‪61‬‬ ‫‪‬قاعدة‪( :‬كل جمتهد مأجور)‬ ‫ ‬
‫‪62‬‬ ‫‪‬قاعدة‪( :‬اخلروج من اخلالف مستحب)‬ ‫ ‬
‫‪63‬‬ ‫‪‬قاعدة‪( :‬ال اجتهاد مع النص)‬ ‫ ‬
‫‪67‬‬ ‫اخلامتة‬
‫‪71‬‬ ‫ثبت املصادر واملراجع‬
‫‪79‬‬ ‫فهرس املوضوعات‬

‫‪81‬‬

S-ar putea să vă placă și